منذ ظهور وباء كورونا الذي اجتاح العالم بجائحة هزت كل دوله كزلزال رهيب لم تنجو منه دولة ولم تستطع أن تتوارى من امامه دويلة، وقف الكل عاجزًا رغم المحاولات والاحترازات والاحتياطات. ولازال العالم يتخبط مابين التواري وراء أبواب المنازل والخروج للحياة بوجه جديد تغطيه االاقنعة.
والحقيقة أن رغم تبدل مظهرنا مع وباء كورونا وارتدائنا لأقنعة الوقاية الا ان هذه الأقنعة التي اخفت انوفنا وافواهنا كشفت اعماقنا علي مستوى الأشخاص والدول والحكومات.
مع “كورونا” سقطت الأقنعة التى عاشت داخلنا طويلا دون أن ترتديها ماديًا.. “كورونا” جعلتنا نقف امام مرآة دون رتوش ولا تجميل .
اللأقنعة سقطت داخلنا رغم أن الظاهر اننا ارتدينا الأقنعة والكمامات !!!..ظهرت هشاشتنا في هذا العالم الذي كنا نعتقد اننا أسياده المتسلطين عليه فإذا بالضعف يلفنا وقلة الحياة تحوطنا وفيروس لاتراه العين يهدد حياة مليارات البشر علي كوكب الارض.
سقطت أقنعة التدين وظهر الجوهر.. لم يعد التدين يقاس بالتردد علي دور العيادة وانما بالعلاقة الخفية بين الانسان وخالقه والي اي مدى كانت ممارساته الروحية تشبع روحه ام هي مجرد عادات او طقوس بلا روح.
سقطت أنعة المال والجاه والمركز وحتي العلم، بعد أن اصبحت كل الامكانيات والقدرات عاجزة عن مواجهة فيروس حصد ارواح أغنياء ورؤساء وامراء ومسئولين وعلماء وأطباء مهرة علي رأس المنظومة الطبية.
وقفنا امام مرآة “كورونا” لنعرف أن العمر هبة ومنحة عظيمة من الله وان ماكنا نقرأه ونعظ به بعضنا او نتجمل به في اقوالنا دون أن نحيا جوهره الحقيقي ونحن نقول:” بان النفس يدخل ولا نعلم أن كان سيخرج ام ستخرج معه الروح” ..ادركنا انه واقعًا حيًا بتجلي بوضوح كل لحظة مع مانراه مع مرضي ومصابي “كورونا”، وتجسد احساس شديد عميق بأن الحياة فعلًا بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل وانه حقًا طرفة عين.
امام مرآة “كورونا” عرفنا هل نحن حقا نحب الخير ونشعر ببعضنا البعض .. ام اننا نؤدي روتينًا في العطاء ولانعطي الا من الفائض والزائد عن الاحتياج؟!!.كم كشفت لنا تلك المرآة اناسًا حساسون لاخوتهم في البشرية مقدمون حقًا من اعوازهم واحتياجاتهم ..امام مرآة “كورونا” رأيت صورًا للمرأة ذات الفلسين التى اعطت من اعوازها.
امام مرآة “كورونا” تأكدنا أن الفيس بوك لايعكس حقيقة ولايعتمد عليه.. فكم من اصدقاء كانوا ممزقين ألمًا ومرضًا وكل ماينشرونه علي صفحاتهم نكت وسخرية… فوجود (البوستات) علي الفيس بوك لايعني أن صاحبه بخير!!. وكم من مكثري النصائح والقاء اللوم ووصف الشعب بالجهل لم يكونوا هم ملتزمين بأي شئ مما يقولون!!
ناهيك انه امام مرآة “كورونا” ظهرت الفبركة الالكترونية بشكل فج، فالتصريحات تنسب لمسئولين ولمصادر بصورهم وهم لم ينطقوا كلمة ولأطباء وعلماء قالوا كذا او كذبوا كذا وهم لم يقولوا كلمة!!.. وكارثة إعادة النشر لمعلومات مغلوطة كانت فخ وقع فيها اصدقاء اعتقدت يومًا انهم مدققين فيما ينشرون!!
امام مرآة “كورونا” سقطت اقنعة (الفهلوة) وظهر الاحتياج لأقنعة جديدة لعلم وبحث وطب حقيقي.. ولكنها أقنعة مكلفة وتحتاج لوقت طويل لإعدادها وبنائها لتكون مؤهلة لحمايتنا .. فهي أقنعة لاتخلق في معامل ولاتظهر بمجرد الضغط علي الزر!! والمتوافر منها يستحق الدعم والرعاية وأوليات الحماية والوقاية .. لا لأنهم كريمة الثانوية العامة او خريجي كليات القمة ولا “علي راسهم ريشة” ولكن لأنهم الأقنعة والدروع الواقية التي ان سقطت سقط معها المرضي وضاعت الحياة.
امام مرآة “كورونا” أفعالنا ليست في حد ذاتها حبًا، وانما دوافعها هي التي تميزها مابين حب او كره، والقبلات والزيارات والأحضان الآن خيانة لمن نحب، والامتناع عن زيارة أحب المحببين دليل حب حتي لانعرضه للعدوى او نعرض أحباء آخرين لنقل العدوى.
امام مرآة “كورونا” عرفنا أن الأمانة لها مظاهر جديدة في مقدمتها العزل الذاتي اذا كنت مخالطًا لمريض “كورونا” حتي لو لم يعلم المحيطون بك ذلك. إنها الامانة.
عندما اطلنا النظر في مرآة “كورون”ا بحكم استمرار الجائحة، اكتشفنا ان صوت رجال الأعمال أعلى من صوت العلماء، وان خوف الجوع أكبر من خوف المرض وان الأوليات لا تتمتع بالثبات!!
نادية برسوم
[email protected]