اخرستوس آنستي.. آليسوس آنيستي
المسيح قام.. بالحقيقة قام
بتحية الفرحة استقبلني قداسة البابا تواضروس الثاني ظهر الاثنين الماضي - الأول من يونية 2020- وكان الرب دبر أن يكون اللقاء قبل أيام معدودة من اكتمال الخمسين المقدسة..
ذهبت محاطاً بكل الإجراءات الاحترازية في ظروف صعبة تتصاعد فيها مؤشرات انتشار فيروس كورونا، الذي شاء الرب أن يطوف العالم بشراسة.. وفرض نفسه ليكون محور حواري مع قداسته.. أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسي, ولكن الأكثر كانت ساحة الظلام التي تطغي على كل الأسئلة..
فالكنائس أغلقت.. وطقس عمل الميرون أرجئ.. والاجتماع السنوي للمجمع المقدس تأجل.. وسيامات أساقفة للإيبارشيات الشاغرة توقفت.. والملتقى العالمي للشباب القبطي ألغي.. لكن على عكس ما خرجت أسئلتي محاطة بالمرارة والتشاؤم جاءت إجابات قداسته مكللة بالأمل والرجاء.. وكعادته كان مبتسماً بشوشاً يشع وجهه ضياء من سلام داخلي يملأ وجدانه..
أعرف أن ظروفاً صعبة تعيشها الكنيسة وشعب الكنيسة.. لكن البابا تواضروس -عطية الله- لا تغيره الظروف ولا الأحداث.. هكذا عرفناه منذ أن جلس على السدة المرقسية -نوفمبر 2012- واستلم عصا الرعاية.. وقداسته مع كل حدث وكل أزمة يتعامل بحكمة نابعة من فكره الهادئ، ونفسه المطمئنة، وقلبه المحب، ورجائه في الرب.. وعندما اجتاح العالم وبلادنا وباء كورونا الفتاك يحصد الأرواح ويقذف بالمصابين، قال قداسته:
فلتعلق الصلوات بالكنائس وترتفع الابتهالات من المنازل- فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة- فليس من الأمانة أن يكون الإنسان سبباً في إصابة الآخرين أو في فقد أحد أحبائه، فالنفس الواحدة لها قيمة غالية عند الله محب البشر.. وذهب إلى الدير يرفع الصلوات والابتهالات من أرض البرية، وعاش معه كل الشعب القبطي أحلى أيام روحية بداية من الصوم المقدس، مروراً بفرحة القيامة، وإلى آحاد الخمسين.
وحتى قبل ساعات من لقائي بقداسته كان يبتهل إلى الله من أمام المذبح المطل علي نهر النيل في ساحة كنيسة العذراء بالمعادي، داعياً الله أن يترأف ويرحم بلادنا الحبيبة مصر، ويرفع الوباء، ويعطينا السلامة والعافية.. وجاءت كلمات قداسته وأنا أحاوره تحمل الطمأنينة وتنشر بشائر الأمل.. والآن تعالوا معي إلى حلو الكلام في أصعب الأيام.
جرس إنذار
في بداية حواري سألت قداسة البابا: كيف رأيتم قداستكم كورونا؟!..
نحن نشكر الله دائما على كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال.. ونؤمن أن الله هو ضابط الكل، وعندما سمح بهذا الوباء وبهذه الصورة رأيته جرس إنذار فمن محبته للإنسان أراد أن يوقظه ليعرف أنه صغير جداً، وأن فيروساً لا يتجاوز وزنه واحداً على خمسة ملايين من وزن الإنسان يمكن أن يفتك به..
رأيتها رسالة استيقاظ للإنسان الذي ابتعد يوماً بعد يوم عن الله خالقه باختراعاته واكتشافاته ونظرياته، وتهاون في حق خالقه بصور متعددة ما بين الإلحاد والعنف والإباحيات، ومن هذه وغيرها تسلل إليه الخوف والقلق والإحباط والاكتئاب، وصار المخلوق كأنه بلا خالق، والكون كأنه بلا الله واهب الحياة..
رأيت الإنسان صغيراً جداً منهزماً أمام الفيروس، ضعيفاً بلا اختراعات ولا أسلحة ولا عنف ولا قوة ولا مال ولا عظمة.. ورأيته تائباً عائداً إلى الله في خشوع.. انظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء.. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة.
لتسمح لنا قداستك أن تعود بنا إلى ما خلف كواليس الكنيسة في هذه الأيام؟
من البداية أخذنا الحذر، وكنا سباقين في متابعة انتشار فيروس كورونا المستجد Covid-19 منذ أن ظهر في العام الماضي -ديسمبر 2019- في مقاطعة ووهان بالصين، والبيانات التي تصدرها تباعاً منظمة الصحة العالمية التي تظهر الانتشار السريع للفيروس في مختلف دول العالم، لنطمئن على أولادنا وكنائسنا في كل المسكونة. وتجاوبت الكنيسة القبطية مع كل الإجراءات التي سنتها حكومات العالم للحفاظ على حياة الكل، ومن هذا المنطلق بدأت كنائسنا بالمهجر في تقليل الخدمات تدريجياً وقصر حضور القداسات على أعداد محدودة للحد من التجمعات، وفي كثير من الكنائس اضطر الآباء إلى تعليق كافة الخدمات النوعية والليتورجية في الكنيسة.
البابا وعشرون أسقفا
** مع انتقال الفيروس من دولة إلى أخرى وتحسباً لخطورة الأيام القادمة، دعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس إلى اجتماع في 5 مارس 2020, وهي تمثل المجمع المقدس المصغر, وتجتمع في الحالات الطارئة بحضور عشرين أب أسقف، وبرئاسة قداسة البابا تكتمل إلى 21 عضواً يمثلون مقرري اللجان الدائمة بالمجمع وعددها عشرة -لجنة الرعاية والخدمة، العلاقات المسكونية، الإيبارشيات، الطقوس، الأديرة والرهبنة، العلاقات العامة، الإيمان والتعليم، الإعلام والمعلومات، المهجر، ولجنة الأسرة- بالإضافة إلى سكرتير عام المجمع ومعه ثلاثة يشكلون السكرتارية التنفيذية، وتكتمل بتعيين ستة يختارهم البابا، ولما كان ثلاثة من الأحبار أعضاء اللجنة أساقفة بالخارج -يخدمون بأمريكا وأوروبا- وتعذر حضورهم فقد شاركونا الاجتماع والاجتماعات التالية من خلال برنامج زووم، وقررنا تعليق كافة خدمات التربية الكنسية والأنشطة الكنسية التي بها تجمعات والدراسة بالمعاهد والكليات اللاهوتية، ودعونا إلى إقامة أكثر من قداس يومياً تجنباً للزحام..
لكن الأيام جاءت بغير ما كنا نتمنى، وانتشر الفيروس بسرعة كبيرة في مختلف دول العالم مسبباً مئات الآلاف من الإصابات وآلاف من الوفيات.. وفي بلادنا أخذت الدولة مجموعة من الإجراءات الاحترازية فعلقت الدراسة بالمدارس والجامعات وحددت مواعيد لغلق المحال التجارية.. وسارعت إلى دعوة اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، وكان هذا صباح السبت 21 مارس.
القرار الصعب
أرى أن هذا الاجتماع صار أشهر الاجتماعات في تاريخ الكنيسة القبطية، حيث اتخذ قرار غلق الكنائس.. كيف صارت الأمور فيما بعد في هذا الاتجاه؟!
هذه حقيقة.. وكنا لأول مرة نواجه هذا الموقف.. وزاد من سخونة الموقف إننا كنا في الصوم الكبير أقدس أيام السنة وأكثرها ارتباطاً بالكنيسة.. بعض الآباء كانوا رافضين، والبعض كانوا متفهمين الأمر، وصارت حوارات طويلة وعندما أخذنا الأصوات كان الاتفاق على إغلاق الكنائس.. كان قراراً صعباً على كل الآباء، لكن حماية الأرواح تغلبت.. وصدر أول بيان معلناً غلق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات وكل الأنشطة في ظرف استثنائي لمدة أسبوعين.
بعد مضي أسبوعين عاودت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس اجتماعها في 2 أبريل 2020، ولما رأت استمرار انتشار الوباء، قررت استمرار تعليق جميع الصلوات بالكنائس بما فيه صلوات أسبوع الآلام والتي تعتبر من أهم المناسبات الكنسية في الكنيسة القبطية، وإيقاف صلوات الأكاليل، والتأكيد على أن تقتصر الجنازات على أسرة المنتقل فقط.
ولما كنا مقبلين بعد أيام على الموعد المحدد لإعداد زيت الميرون المقدس، فقد رأينا تأجيله أيضا، وصدر عن اللجنة البيان الثاني والذي استمر العمل به طوال فترة الصوم وعيد القيامة وآحاد الخمسين.
وخلال هذه الفترة رأينا أن صلوات الأكاليل تكثر بعد الصوم المقدس الذي يستمر 55 يوماً، وقبل صوم الآباء الرسل الذي يمتد لأكثر من شهر، فقررنا السماح بإقامة صلوات الأكاليل في الكنائس أو البيوت بحضور ستة من المدعوين فقط إلى جانب كاهن واحد وشماس واحد، وبعد عيد الصعود عاودت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس اجتماعها يوم السبت 30 مايو.
مرة أخرى رأت اللجنة استمرار تزايد أعداد الإصابات اليومية، بل والأكثر اتجاه منحنى الإصابات نحو الذروة، فصدر عن اللجنة البيان الثالث والذي أعلن استمرار تعليق الصلوات بالكنائس باستثناء قداس عيد دخول السيد المسيح أرض مصر -الاثنين أول يونية- فيقام بعدد ستة أفراد فقط من الكهنة والشمامسة معاً باعتباره عيد سيدي يخص السيد المسيح، ونتميز به في تاريخ كنيسة مصر القبطية الأرثوذكسية، وأيضا قداس عيد العنصرة -الأحد 7 يونية- وأضاف البيان قرار اللجنة بالسماح بممارسة المعموديات بالكنائس بحضور أسرة المعمد فقط.
انفراجات على الطريق
واضح أن استمرار تعليق الصلوات بالكنائس متواصل ومستمر، إلا أن هناك انفراجات في ممارسة أسرار الكنيسة، فسر المعمودية، ومسحة المرضى، والزواج، والكهنوت لم تتوقف وإن كانت في ظل الإجراءات الاحترازية والأعداد المحدودة.. هل هناك بارقة أمل في عودة الصلوات بالكنائس؟!
لا نستطيع الآن أن نجزم بشيء.. وستعاود اللجنة الدائمة للمجمع المقدس اجتماعها في نهاية هذا الشهر -السبت 27 يونية- ونحن جميعاً مشتاقون إلى عودة الصلاة بالكنائس، ولكن هذا سيظل مرتبطاً بمدى انتشار الفيروس، وبالدوافع التي بسببها تم الغلق، فالكنيسة حريصة على سلامة أبنائها وسلامة الوطن، وما يريحنا أن أكثر الأسرار المقدسة تمارس، وهو الأهم لخلاص جميع المؤمنين.
الميرون المؤجل
إن كان الأكثر من الأسرار المقدسة لم يتوقف، فلماذا تأجل عمل الميرون مع أن إعداده يتم في الدير ، وتجربة الكنيسة لعمله في المرات الأخيرة اختصرت الكثير من الوقت والجهد؟!..
حقيقي إن عمل الميرون كان مهمة صعبة، فإعداده كان يمر بعدة مراحل بدءاً من طحن الأطياب التي تجمع 27 مادة عطرية ذكرت تحديداً في الكتاب المقدس، مرورا بالنقع، والخلط بزيت الزيتون، والتسخين عند درجة حرارة 70 مئوية، والتقليب لثلاثة أيام، وتركه للتبريد والترسيب، وتصفيته لفصل الميرون عن الغاليلاون، إلي أن يعبأ في قارورات توزع على كل الكنائس القبطية في كل المسكونة..
وأشكر الرب أنه كان لضعفي عمل الميرون بعد أن اختارتني العناية الإلهية لهذه المهمة، وكان هذا خلال الصوم المقدس -أبريل 2014- وكانت للمرة 38 في تاريخ الكنيسة القبطية، وأعاننا الرب في استخدام التطور العلمي لعمل ميرون بتقنية حديثة من مستخلصات الأطياب التي تستخرجها شركات عالمية من المواد النباتية الصلبة، وصار عمل الميرون يستغرق يومين فقط بعد أن كان يستغرق أسبوعا كاملاً وأكثر، وكانت فرحتنا كبيرة، لأول مرة يتم استخراج 600كيلوجرام و300 كيلو غاليلاون، إلا أنه مع امتداد الكرازة إلى أقاصي المسكونة وما تعيشه الكنيسة القبطية من صحوة ونهضة روحية وما يتبعها من زيادة عدد المعمدين وكثرة الكنائس التي تدشن مذابحها وأيقوناتها وأدواتها، قاربت الكمية على النفاذ بعد ثلاث سنوات، فأعدنا في أبريل 2017 عمل الميرون للمرة الثانية وبذات الكميات.. وبعد ثلاث سنوات أخرى كادت الكمية تنفذ فعزمنا على عمل الميرون هذا العام.
لكن قبل أن يأتي الموعد المحدد -أبريل 2020- كان الوباء تفشى وحالت الإجراءات الاحترازية دون إتمامه.. حقيقي إن عمل الميرون لم يعد أمراً صعباً ولا يستغرق أياماً كما كان من قبل، وكل مواده معدة وقمنا باستحضارها لكن المشكلة في تواجد كل أحبار الكنيسة من المطارنة والأساقفة ورؤساء الأديرة أعضاء المجمع المقدس للمشاركة في رسم مواد الميرون والتوقيع على التقليد، فطقس الميرون كرسامة بطريرك وكان قد حضر معنا في المرة السابقة -2017- 95 عضواً من أعضاء المجمع المقدس مع لفيف من الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة وجمع غفير من الشعب المسيحي في مصر وخارجها وهو ما لا يمكن تكراره في هذا الزمان، إلى أن يرفع الله عنا الوباء وتستقر الأحوال ويأذن الله بعمل الميرون، نحن نحافظ على الكمية المتبقية ونستخدمها بترشيد يساعدنا على هذا أن هذه الفترة توقف فيها أيضا تدشين الكنائس وهي التي كانت تستنفد الجزء الأكبر.
مسلسل المؤجلات
إن كان هذا عن تأجيل عمل الميرون، فماذا عن تأجيل انعقاد المجمع المقدس في جلسته السنوية والتي تعقد في مثل هذه الأيام- بعد عيد الصعود وقبل عيد حلول الروح القدس- وكان البعض أنه وإن كان من المتقدر في هذه الظروف تواجد كل أحبار الكنيسة في مكان فإنه يمكن أن يكون الاجتماع أون لاين؟!..
دعني هنا أوضح أن جلسات المجمع المقدس تتم وفق منظومة تبدأ بعمل اللجان الدائمة التي تناقش على امتداد عام كامل كل الموضوعات التي تهم الكنيسة عقائدياً ورعوياً وتتناول الآراء داخل اللجان بما يحفظ وحدانية القلب والفكر إلى أن تنتهي كل لجنة من لجان المجمع العشرة من اتخاذ التوصيات في الموضوعات التي تناولتها بالدراسة والمناقشة، ومن بعدها تحيلها إلى سكرتارية المجمع لإدراجها في جدول أعمال المجمع لتؤخذ القرارات بروح الجماعة حسب قصد الروح القدس في الكنيسة منذ بداية العصر الرسولي..
ولأن أعمال اللجان توقفت فإن جدول الأعمال بالتالي توقف، لكن بعض الأعمال المقررة انتهت ومنها إصدار كتاب يضم كل محاضرات سيمنار المجمع المقدس في نوفمبر 2019 وموضوعه ”الأسقف والكاهن.. أبوة وبنوة ” وهو من أهم الموضوعات التي تهم الكنيسة عقائدياً ورعوياً، كما يواصل العمل في إعداد دليل كامل لكل الآباء المطارنة والأساقفة في الكنيسة القبطية.
يرتبط أيضا في الأذهان مع اجتماع المجمع المقدس، سيامة وتجليس آباء أساقفة للإيبارشيات الشاغرة.. ماذا عن هذا؟!..
ندعو الله أن يرفع عن بلادنا هذا الوباء لتتمكن الكنيسة من إنهاء كل المؤجلات لمجد اسمه، وكنا نستعد لتجليس نيافة الأنبا مكاريوس أسقفا للمنيا مع سيامة أسقفين جديدين بعد تقسيم إيبارشية المنيا إلى ثلاث إيبارشيات.. وأيضا سيامة خمسة أساقفة للقطاعات الشاغرة في عين شمس، وعزبة النخل، ونيوجرسي بأمريكا، ولديري أبو مقار والأنبا بيشوي.
الناس لبعضها
مع ان انتشار فيروس كورونا وما صحبه من اجراءات احترازية كان سبباً في تعطيل وتأجيل الكثير من أوجه الخدمة في الكنيسة، إلا أننا رأينا لقداستكم خلال هذه الفترة نشاطاً مكثفاً على المستوى الوطني والروحي والكنسي.. نود أن تصحبنا قداستكم في رحلة نتوقف فيها عند محطات هذا النشاط.
ربما كان هذا من ايجابيات كورونا، فعلى المستوى الوطني، كانت الكنيسة سنداً للدولة في جهودها لمكافحة الوباء وتداعياته، وعندما تجمع لدينا 3 مليون جنيه من أحباؤنا أولاد الكنيسة سارعنا بتقديمها إلى صندوق تحيا مصر ، مساهمة متواضعة من الكنيسة بإسم أقباط مصر لشراء أجهزة التنفس الصناعي. كما وجهنا مشاغل الخياطة بالايبارشيات وأديرة الراهبات للمساهمة في إعداد الملابس الطبية ومتطلبات الطواقم الصحية لمواصلة عملها الوطني والانساني الذي نقدره كل التقدير ونذكرهم دائما في صلواتنا ليسندهم الله ويحفظهم..
وعلى جانب آخر تشغلنا احتياجات الأسر الفقيرة وأصحاب الأعمال اليومية الذين فقدوا أعمالهم أو تأثرت دخولهم من جراء الوباء، وما يؤرقنا أن كلاهما محتاجون إلى تغذية صحية لأن حركة الأكل تساعد على تقوية الجهاز المناعي للإنسان، وتقوم البطريركية الآن وأسقفية الخدمات بإعداد كراتين مواد غذائية تقوم الكنائس بتوزيعها في مناطق كثيرة، بالإضافة إلى المساعدات المالية وهي وإن كانت ليست بمبالغ كثيرة، ولكن بقدر ما نستطيع في هذه الظروف التي تعاني فيها الكنيسة من قلة التبرعات والعطايا.
وأذكر هنا أيضا عن دور الكنيسة الوطني وسط هذه الأزمة أن وزيرة الهجرة اتصلت بنا بعد تلقيها إستغاثة من المغتربين العالقين في كينيا، تسألنا عن امكانية دعم الكنيسة المصرية لهم بعد تعليق رحلات الطيران، وكان الرب سمح أن تكون لنا في كينيا خدمة مثمرة لنيافة الانبا بولس الذي تواصل معهم ودبر لهم كافة السبل لرعايتهم الكاملة منذ شهر ابريل الماضي وحتى عودتهم مؤخرا، وأسعدني مقابلتهم بعد عودتهم وبرفقتهم السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة إذ كان بينهم اللاعبين حمادة محمد أحمد وسالم عطية الله, وتذكرت عند مقابلتهم المثل المصري “الناس لبعضها”.
أما الجانب الروحي.. كانت فرصة لنا للخلوة بالدير طوال فترة الصوم المقدس وحتى عيد القيامة وكنت أقدم تأمل روحي يومياً “يوميات الفرح” استمر أيضا مع أيام الخماسين لنشر روح الفرح، والرب يعيننا لتقديم بعض البرامج القصيرة خلال الأيام القادمة.. وبمشيئة الرب ستعود عظة الأربعاء مع صوم الرسل وتبث من المقر البابوي عبر القنوات القبطية الفضائية وعلى صفحة الرسمية للكنيسة القبطية بالفيسبوك .. وكانت من ايجابيات كورونا ان صارت البيوت كنائس صغيرة ترتفع فيها الصلوات، وسادت الأسر المسيحية أجواء طيبة، وهذا فرحنا جداً.
وكنسيا كانت فترة هدوء استفادة منها بعض الكنائس والأديرة في تجديدها وصيانتها ونظافتها, وأتمنى ان تحذوا كل الكنائس حذوهم.. والأهم من ما قامت به الكنائس لتنظيم العمل الدعوي وتسجيل الرعية وتجميع بياناتهم.. وأرى أن الخدمة ستتغير بعد العودة إلى الكنائس.. حيث ستأخذ الخدمة شكلاً أكثر تنظيماً وترتيباً وهدوءًا ورقياً وهو ما نتمناه.
تذكرني رؤية قداستكم لنا بعد عودة الصلاة بالكنائس بما تردد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من المطالبة بالغاء الماستير عند التناول.. ما رأي قداستكم؟!
لم نفكر في هذا ولم نناقشه في اجتماعات اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، ولكنه أمر وارد.. وإن كان التناول بالماستير لم يتسبب في أي إصابة بمرض على امتداد تاريخ الكنيسة، ونحن في الظروف المرضية يناول الكاهن المريض بدون استخدام الماستير، وفي ظل الظروف المرضية التي نعيشها هذه الأيام يمكن أن يطرح هذا للمناقشة، فمسيحيتنا ليست جامدة، وطقوسنا لا تستمد من أفكار بل مما تسلمناه من الآباء، ومن ارشاد الروح القدس العامل فينا، وليس ثمة ما يمنع من استخدام نتاجات العقل والتطور والتقدم في تسيير أمور كنيستنا دون المساس بعقائدنا وأساس إيماننا المستقيم.