المصريون شعب محب للحياة, متفائل, فكه, عاشق للنكتة, هكذا قال هيرودون أبوالتاريخ بعد زيارته لمصر في القرن الخامس قبل الميلاد, وهكذا قال أيضا عالم الاجتماع الفرنسي (جوستاف لوجون) في العصر الحديث, وهذه حقيقة يذكرها علماء الأنثروبولوجيا في العالم. لكن قبل ثلاثين سنة, وقبل ثورة 30 يونيو 2013 مباشرة تغير المجتمع المصري, أختفت ابتسامة المصري, وتجهم وجهه, وندرت نكته, وأخذ يشكو حياته, وتحول الأمل إلي خوف من المستقبل, هكذا تغيرت حياة المصريين وتغيرت طبيعتهم, لكن قامت ثورة الشعب واختار قائدا وزعيما بإرادته لأول مرة, وتجدد الأمل في نفس الشعب, وفي عروف الجميع, لأن الأمل والتفاؤل جزء من طبيعة المصريين, وتحصن الجميع بالأمل, ثم جاء الزعيم عبدالفتاح السيسي, وكانت جنبات الأمل والتفاؤل في شخصه فأعاد الأمل في نفوس الجميع, وهرب اليأس والفشل والتخاذل وكلمة.. مفيش فايدة, وأصبح الأمل مبدأ لكل المصريين.
تذكرت هذه الملحمة المصرية الوطنية الفعالة وأنا أقرأ عن المفكر الألماني (إرنست بلوخ) 1885 ـ 1977م الذي كان ينادي دائما.. فكروا في الأمل.. وحول الأمل إلي مبدأ يمكن العمل به لتحقيق رخاء وسعادة أي إنسان, قدم هذا المفكر المتفائل النشط كتابا مفيدا يشرح رأيه ونظريته الإنسانية الناجحة هو كتاب:
(مبدأ الأمل) الذي يضم ثلاثة أجزاء يوضح فيها أن الإنسان عليه أن يتسلح دائما بالأمل, ولا يفقده حتي في أحلك الأوقات, وقد كتب كتابه هذا خلال الحرب العالمية الثانية وصوت المدافع يدوي, ودماء ملايين البشر الأبرياء تصرخ, لكنه لم يفقد الأمل في الإنسانية علي الرغم من ويلات الحرب, يقول بلوخ: إذا كانت الحرب العالمية الثانية دمرت الكثير وأطاحت بالقيم الإنسانية إلا أنه رغم ذلك من الضروري التمسك بكل ما هو إنساني. وإعتبار أن تلك اللحظة السوداء ما تلبث أن تمر بكل ما تحمل, بكل قبحها وشرها ونكدها وحزنها, وعلي الإنسان أن يواجه ذلك بمبدأ الأمل الذي يعبر بالذات من الموت إلي الحياة.
الأمل عند بلوخ يتحقق عن طريق عدة وسائل أولها أحلام اليقظة, فالأحلام ضرورة لحياة الإنسان فهي التي تقوده لعالم أفضل وأجمل وأكثر سعادة, وهنا فعلا إذا نظرنا إلي حياة الإنسان والتقدم الهائل والتطور الحضاري السريع سنجد أن كل ما تحقق كان حلما في البداية.
مبدأ الأمل ليس مجرد شعور نفسي جميل أو يوتوبيا من أجل المستقبل بل يجب أن يكون وسيلة وغاية في وقت واحد, من خلاله يصبو الإنسان إلي تحقيق ذاته بأعتبارها تتجدد وتتغير كلما حققت جزء من هدفها المنشود, فهذا المبدأ يغذي الإرادة ويحرر النفس من مشاعر الخذول والتقوقع والاكتفاء بما تحقق ثم يدفعها إلي مزيد من الفعل والتطلع إلي آفاق جديدة.
الأمل ليس مجرد شعار يؤمن به الإنسان لأن الذات الآملة هي الذات الفاعلة, التي تفعل وتحول الأمل إلي عمل وجزء من الحياة. الشخصية الأملة هي الشخصية المنفتحة علي نفسها وهذا الانفتاح علي الذات يجعلها تعرف إمكاناتها وتنطلق من السكون إلي الحركة الديناميكية لتثبت وجودها. الأمل عند المفكر (بلوخ) طريقة للتفكير وليست مجرد شعار أو لفظ, إنه طريقة تفكير ليست مغلقة ولا تعرف الد وجما أو اليأس أو العبث, وبذلك تستطيع أن تحقق الكثير.
الأمل هو نظرة بانورامية للمجتمع ومعرفة أحواله وظروفه المختلفة وطموحه وما تحقق منها وما لم يتحقق وبالتالي العمل علي تحقيق ما لم يتحقق بطريقة جدية وبكل الثقة.
عندما يتغلغل مبدأ الأمل داخل الذات فإنه ما يلبث أن يتحقق في أرض الواقع. إن تقدم المجتمعات وتطورها يتوقف علي مدي الأمل داخل شعوبها, ونحن نجد أن الشعوب الأملة المتفائلة هي الشعوب المتقدمة والمتمتعة بحياتها ورخائها وسعادتها وإنسانيتها.
بقي أن تعرف عزيزي القارئ أن المفكر الألماني: إرنست بلوخ.. فيلسوف الأمل يهودي الأصل لكنه رفض منذ البداية الانتماء إلي الحركة الصهيونية, فهود عكس الكثير من المثقفين اليهود, لم يتعاطف معها, بل وقف ضدها ونقدها واعتبرها كارثة ستجعل من فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط منطقة صراع ومشاكل وحروب, وهذا ما حدث فعلا!.
الذي أسعدني في فكرة الأمل عند بلوخ أن شعبنا المصري اكتشف هذه الفكرة قبله, لكنه جعلها مبدءا وعلما وشرحها بما يفيد البشرية, وليت مبدأ الأمل يعمل به كل إنسان فإنه سيغيره فعلا للأفضل ويبث في نفسه الثقة, وكذلك الشعوب, فقد ثبت أن الشعوب الأملة المعتنقة مبدأ الأمل هي المتقدمة فعلا.
ولنتذكر دائما مقولة المفكر الألماني.. إرنست بلوخ: فكروا دائما في الأمل..
في هذا المجال لا ننسي أيضا مقولة الفيلسوف الألماني المعروف.. (فريدريك نيتشة):
لا تمض في التشاؤم, لأن التشاؤم علامة إنخطاط, لكن تتبع ولادة الأمل من رحم المأساة..
الأملهو الغذاء اليومي للشعوب الناهضة والمتقدمة.
الأمل هو الحياة…