عبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر وهناك من ناصر المرأة واهتم بمناقشة قضاياها وتأكيد حقوقها مع دعوتها للقيام بواجباتها, هنا يقف المفكر والمصلح الاجتماعي قاسم أمين 1863-1908م في الصفوف الأولي مع رواد الإصلاح والتنوير, ممن عملوا علي نهضة المرأة المصرية وتحريرها من قيود الجهل والتخلف والمعتقدات الشعبية الخاطئة والممارسات الاجتماعية البالية, مع الاهتمام بترقية الرجل ونهضته أيضا, إذ لا تتحقق نهضة المرأة بمعزل عن الرجل, حيث تميز المشروع الثقافي لقاسم أمين بالشجاعة والجرأة في طرح المشكلات ومواجهة الأوهام بعيدا عن المجاملة والمبالغات والقدرة علي تقديم الحلول.
وهذا العام تمر مائة وعشرون عاما علي صدور كتابالمرأة الجديدة لقاسم أمين الذي واصل به دعوته لنهضة المرأة المصرية بعد كتابةتحرير المرأة الذي كان قد أصدره عام 1899م. يذهب المؤلف في مقدمة كتابه إلي أن المرأة الجديدة هي ثمرة من ثمرات التمدن الحديث بدأ ظهورها في الغرب حين اختفت الذات البهيمية وظهرت المرأة شقيقة الرجل وشريكة الزوج ومربية الأولاد ومهذبة النوع, موضحا أن هذا ما يقصده من رقي المرأة المصرية في العقل والأدب وأن الشريعة الإسلامية مع تحرير المرأة.
عند حديثه عن المرأة في حكم التاريخ تناول تطور المرأة وتقدمها في الممالك الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية من حيث الاهتمام بتربيتها وتعليمها وخروجها للمجال العام ومساواتها للرجل في كل أو في معظم الحقوق والمرأة المصرية في نظر الشرع إنسان حر لها حقوق وعليها واجبات لكنها في نظر رئيس العائلة ليست حرة و هي محرومة من التمتع بحقوقها الشرعية بسبب استبداد الرجل.
يدعو الكاتب إليحرية المرأة فالحرية منبع الخير للإنسان وأصل الرقية وأساس كماله الأدبي مطالبا بعدم استعباد المرأة واستبدادها, وأن تكون الحرية أساسا لتربية النساء فالمرأة مساوية للرجل في قواه العقلية وهي تفوقه في الإحساسات والعواطف والفرق في العقل بسبب أن الرجال اشتغلوا بممارسة العلم فاستنارت عقولهم وتقوت عزيمتهم بالعمل ومن ثم فإن الفرق بينهما صناعي وليس طبيعبا فمسئولية المرأة لاتقل عن مسئولية الرجل أمام الشرع في الدنيا والآخرة وحرية النساء لاتخرجهن عن حدود العفة بل أن الحرية تزيد ملكاتهن الأدبية واحترامهن لأنفسهن وتحمل الرجال علي احترامهن بينما يكون سجن المرأة ضارا بها وبالمجتمع وعند حديثه عن الواجب علي المرأة لنفسها يؤكدقاسم أن تعليم المرأة والاهتمام بتربيتها أمر نافع لها ولبيتها وللهيئة الاجتماعية فهي إنسان مثل الرجل زينتها الفطرة بموهبة العقل وحق لها أن تسمو إلي ما يقرب من درجته ومن ذلك حقها في العمل خاصة وأن هناك نساء كثيرات مسئولات عن إعالة أسرهن فيكون العمل حفظا لكرامتها وراحتها وصونا لاستقلالها مطالبا بأن تربي المرأة علي أن تكون لنفسها أولا, لا لأن تكون متاعا للرجل وأن تدخل في المجتمع الإنساني وهي ذات كاملة لا مادة يشكلها الرجل كيفما شاء, فتجد أسباب سعادتها وشقائها في نفسها لا في غيرها.
ومنالواجب علي المرأة لعائلتها تربية الأولاد ما يستلزم اهتمامها بالمعارف والمعلومات وتهذيب نفوس الأطفال وإعدادهم لأن يكونوا رجالا صالحين ذلك أن تأثيرالمرأة في العائلة يمتد إلي ما حولها من الرجال ما يوجب منح النساء حقوقهن في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية.
وهو يناقش مسألةالتربية والحجاب مؤكدا أهمية التربية العقلية بتعليمها القراءة والكتابة واللغات الأجنبية وتعلم أصول العلوم الطبيعية والاجتماعية والتاريخية ومباديء قانون الصحة ووظائف الأعضاء وصناعة الطعام وترتيب البيت وتربية الذوق وتنمية الميل في نفسها إلي الفنون كالتصوير والرسم والموسيقي موضحا أن هذه هي التربية الكاملة التي تيسر للمرأة القيام بواجباتها المتعددةفتعدها لأن تكون إنسانا يكسب عيشه بنفسه وزوجة قادرة علي أن تحصل لعائلتها أسباب الراحة والهناء وأما صالحة لتربية أولادها وهو يتساءل:هل بعد كل ذلك تحتجب المرأة في البيت؟! وتمتنع عن مخالطة الرجال؟!
ويذهب قاسم أمين في خاتمة كتابه المرأة الجديدة الصادر بالقاهرة عام1900م, إلي أن كل تغيير في الأمم يكون نتيجة لمجموع فضائل وصفات وأخلاق وعادات لاتتولد في النفوس ولاتتمكن منها إلا بالتربية أي بواسطة المرأة وهنا تكون بداية الإصلاح.
واقع الأمر أنه بين1900م و2020م, سنوات طويلة من الكفاح والنضال والعمل علي ترسيخ مباديء المواطنة ودعم حقوق الإنسان وعبر تلك السنوات الطويلة حققت المرأة المصرية الكثير من النجاحات والإنجازات في كثير من مجالات الحياة وهي تنتظر المزيد باعتبارها إنسانا مثل الرجل.
مازالت المرأة المصرية تعاني من بعض القيود المجتمعية الأمر الذي يستلزم التحرك في اتجاهين هما الثقافة والقانون وهنا يمثل مبدأ المواطنة حلا مناسبا وعلاجا ملائما لهموم المرأة ومشكلاتها, حيث المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تتمييز بينها وبين الرجل فلكل دوره في المجتمع يتكاتف الجميع وتتضافر الجهود من أجل تحقيق الخير العام ومصلحة الجميع.