“روزا لويس باركس” Rosa Louise Parks (4 فبراير 1913- 24 أكتوبر2005) كانت ناشطة من أصول إفريقية أمريكية، طالبت بالحقوق المدنية للأمريكان الأفارقة. أصبحت روزا باركس رمزاً هاماً من رموز حركة الحقوق المدنية، ورمزاً دوليّاً لمقاومة الفصل العنصريّ.
وُلدت روزا باركس، في توسكيجي بولاية ألاباما، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في 4 فبراير 1913. والداها هما ليونا – وهي مُدرّسة، ووالدها جيمس مكّاولي – وهو نجّار، انتقلت مع والدها إلى “باين ليفل” بعد انفصال والديها، وترعرعت في مزرعة مع عائلة والدها الذين كانوا أعضاءً في الكنيسة الأسقفيّة الميثوديّة الأفريقيّة. التحقت روزا بالمدارس الرّيفيّة حتى سنً الحادية عشر، وأخذت عدّة دورات أكاديمية ومهنيّة، تركت الدّراسة لاحقاً من أجل الاعتناء بجدّتها، ولاحقاً بأمّها بعد أن مرضت.
كانت الحافلات المدرسيّة تنقل فقط الطلاب ذو البشرة البيضاء فقط!! في حين كان يتوجّب على الطلاب أصحاب البشرة السوداء أن يذهبوا سيراً إلى المدرسة، لذلك قالت روزا عن معاناتها مع العنصريّة في طفولتها: (كنت أرى الحافلة تمرّ في كل يوم… لكن بالنسبة لي كان هذا أسلوب حياة، لم يكن لدينا خياراً إلا قبول العُرف، كانت الحافلة المدرسية أول ما جعلني أدرك وجود عالمٍ أبيض وعالمٍ أسود).
في عام 1932م، تزوّجت روزا من “رايمون باركس”، وهو حلّاق من مونتجمري. كان عضواً في الجمعيّة الوطنيّة للنّهوض بالملوّنين، وعملت إلى جانب زوجها في تحسين حياة بعض الأمريكيين الأفارقة؛ حيث عملا معاً على جمع المال لدعم الدفاع عن (سكوتس بورو بويز) وهم مجموعة من الشباب السود كان قد تم اتهامهم زوراً في قضية اغتصاب جماعي لسيدتين من البيض.عملت روزا في العديد من الوظائف بدءاً من خادمة في المنازل إلى مساعدة في المستشفيات. أنهت دراستها الثانويّة في عام 1933م. في عام 1943م أصبحت روزا ناشطة في حركة الحقوق المدنيّة وانضمّت إلى فرع مونتجمري للجمعيّة الوطنيّة للنهوض بالملوّنين؛ في ديسمبر من عام 1944م، قامت روزا بالتّحقيق بقضيّة اغتصابٍ جماعيّ لريس تايلور، وهي امرأة سوداء من أبفيل، حيث نظمّت باركس مع زملائها “لجنة للمساواة بالعدالة من أجل السيّدة ريس تايلور”، وقالت صحيفة “شيكاغو ديفيندر” The Chicago Defender عن اللجنة بأنّها “أقوى حملة من أجل العدالة المتساوية التي يمكن رؤيتها خلال عقد من الزّمن”. كما حضرت روزا بعض اجتماعات الحزب الشيوعي مع زوجها. بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى التي قامت بها روزا في بداية كفاحها.
ذكرت روزا في سيرتها الذاتية العديد من مظاهر التمييز العنصري الذي واجهته خلال نشأتها، خاصة وأنها قد عاشت في إحدى مناطق الجنوب، والذي كان التمييز العنصري فيه أشد من المناطق الأخرى في الولايات المتحدة. بموجب قوانين “جيم كرو”، فقد كان المجتمعان الأبيض والأسود منفصلين، تحكمهما قوانين تفضل المجتمع الأبيض على غيره، حتى من ناحية وسائل النقل، فقد كان على الأمريكيين الأفارقة التخلي عن مقاعدهم للبيض.
أما عن وسائل النقل المدرسية، فقد كانت غير موفرة للأمريكيين السود – بحسب ما ذكرته روزا – وكانت تلك المرات الأولى التي تمكنت من خلالها من فهم الاختلاف الذي كان يجري بين هذين المجتمعين. كذلك، فقد كانت جماعة الـ “كو كلوكس كلان” تمر بشكل مستمر في الطرقات أمام البيت الذي كانت تعيش فيه، وكانت تذكر بأن جدها كان يحرس البيت وبيده بندقية، ومشاعر الخوف الذي كان يتملكها عندما كانت هذه الجماعة تمر أمام البيت في الليل. إلا أن روزا قد صرحت بأن بعضاً من البيض كانوا يعاملونها بلطف واحترام، ولكنها أيضاً لم تغفل ماشهدته في طفولتها من عنصرية في المجتمع.
في الوقت الذي كان فيه أقل من 7% من الأمريكيين الأفارقة يتسنى لهم الحصول على الشهادة الثانوية. في عام 1943، أصبحت روزا ناشطة في حركة الحقوق المدنية، انضمت فيما بعد إلى “الرابطة الوطنية للنهوض بالسود”، وكانت المرأة الوحيدة المُنضمة إلى الرابطة آنذاك. واستمرت روزا مع “الرابطة الوطنية للنهوض بالسود” وعملت سكرتيرة للسيد إيدجر نيكسون، على الرغم من أنه هو الذي قال: (لا تحتاج المرأة لأن تكون في أي مكان غير المطبخ)، وحينما سألته روزا عن سبب اختياره لها لتعمل معه كسكرتيرة؟ قال لها: (احتاج لسكرتيرة، وأنت جيدة لذلك).
في 1940، اُدرجت روزا وزوجها في قائمة الناخبين، وفي وقت ما بعد 1944، شغلت باركرز وظيفة صغيرة بقاعدة ماكسويل الجوية، على الرغم من وجود هذه القاعدة بمونتجمري بولاية ألاباما، إلا أنه لم يطله الفصل العنصري بين السود والبيض حيث كانت ملكية فيدرالية.
في عام 1900م، تم إقرار قانون يفصل الركّاب في سيارات النقل العام عن طريق العِرق. وتم الفصل بين الركاب في السيارات من خلال وضعهم في مقاعد مخصصةٍ لكل عِرق، وعلى الرّغم من نصّ القانون على عدم تخلّي أي فرد عن مقعده، إلا أن سائقي الحافلات كانوا يطلبون من الركّاب من أصحاب البشرة السّوداء التّخلّي عن مقاعدهم في حال لم يكن هناك مقعد فارغ للركاب البيض. كانت الصفوف الأربعة الأولى من كل حافلة للركاب البيض. بينما الأجزاء الخلفية من الحافلة للسود على الرغم من أن السود كانوا يشكلون نسبة 75% من الركاب. وكان من الممكن للسود بالجلوس في الصفوف الوسطى، حتى يملأ القسم المخصص للبيض؛ فإن احتاج البيض أماكن كان على السود ترك أماكنهم ليجلسوا بالخلف أو الوقوف وأكثر من ذلك عليهم مغادرة الحافلة إن لم تكن هناك أماكن لاستيعابهم. ولم يكن متاح للسود أن يمروا من الباب الأمامي ؛ فكان السود يصعدون ليدفعوا الأجرة للسائق ثم ينزلون مرة أخرى ليركبوا من الباب الخلفي حتى لا يمروا من أمام البيض.لسنوات كان مجتمع السود يشتكي من ذلك الوضع غير العادل تقول باركز: (لم تبدأ مقاومتي لسوء المعاملة بالحافلات بعد اعتقالي).
ذات يوم في 1943، استقلت باركز الحافلة ودفعت الأجرة، وذهبت لتجلس إلا أن السائق أمرها بأن تنزل لتدخل من الباب الخلفي طبقًا لما هو متعارف عليه من قواعد لركوب السود. خرجت باركز من الحافلة لتركب من الباب الخلفي ولكن قبل أن تتمكن من الدخول أقلع السائق بالحافلة وتركها تسير إلى منزلها تحت المطر!!
بعد عمل طوال اليوم، استقلت باركز السيارة المتجهة إلى تجمع كليفلاند في حوالي الساعة السادسة مساءً، يوم الخميس الأول من ديسمبر 1955، من وسط مدينة مونتجمري. دفعت الاجرة ثم جلست في أحد المقاعد الخلفية المخصصة للسود، بالقرب من منتصف الحافلة كان مقعدها أول مقعد وراء المقاعد المخصصة للبيض. في البداية لم تلاحظ أن سائق الحافلة هو نفسه الذي كان قد تركها تحت المطر قبل ذلك في 1943. سار كل شيء عادي إلى أن ملئت المقاعد المخصصة للبيض، وتوقفت الحافلة أمام مسرح الإمبراطورية، ليصعد عدد من البيض. أشار السائق لإثنين أو ثلاثة من الركاب البيض الواقفين، ليجلسوا في وسط الحافلة والتي كانت قد مُلئت بالركاب السود. طلب السائق من أربعة من الركاب الجالسين بالجزء الأوسط بأن يتنازلوا عن مقاعدهم للركاب البيض. بعد عدة سنوات، تتذكر باركز أحداث ذلك اليوم قائلة:(حينما أشار لنا السائق الأبيض في ذلك اليوم وأمرنا بأن نترك مقاعدنا أحسست بمرارة تغطي جسدي كله كلحاف في ليلة ممطرة). قال لهم السائق “بليك”: (أنتم جميعاً عليكم ترك مقاعدكم) وكانوا أربعة امتثل ثلاثة منهم وقاموا ليجلس البيض بينما رفضت روزا باركس القيام وترك مقعدها، نهرها السائق “بليك”: (لماذا لم تقفي وتتركي مقعدك؟) فأجابته: (لا أعتقد أنه يجب علي القيام) فاستدعى “بليك” الشرطة لتقبض على روزا. تقول روزا في لقاء لها مستعيدة هذه الحادثة عام 1987 (قال لي السائق إن لم تتركي مكانك سأستدعي لك الشرطة لتقبض عليك، فرددت عليه: يمكنك أن تفعل ذلك !).
وعن هذا الموقف قالت روزا في مقابلة إذاعية في عام 1956م “يجب أن أعرف مرّة واحدة وإلى الأبد ما هي الحقوق التي أمتلكها كإنسان و كمواطن”. كما قالت في سيرتها الذاتيّة: (يقول النّاس دائماً أنني لم أتخلّى عن مقعدي لأنني كنت متعبة لكن هذا غير صحيح، لم أكن متعبة جسديّاً… لقد كنت متعبة من الاستسلام).
وقالت باركس خلال مقابلة إذاعية مع سدني روجرز بغرب أوكلاند 1956 (بعد عدة أشهر من اعتقالي أردت أن أعرف لمرة واحدة وإلى الأبد ماكان لي من حقوق إنسان وحق المواطنة).
في 4 ديسمبر من عام 1955م، تم الإعلان عن خطّة لمقاطعة سيارات مونتجمري من قبل جميع الكنائس السّوداء في المنطقة، وتم نشر المقاطعة على الصّفحة الأولى من صحيفة “مونتجمري أدفرتايسر” Montgomery Advertiser، وقرّر المقاطعون استمرار المقاطعة حتى حصول كل الأفراد على المساواة في حقوق ركوب السيارات من كل النّواحي الممكنة. في اليوم التالي، تم محاكمة روزا بتهمة السّلوك غير المنضبط، استمرّت المحاكمة 30 دقيقة، وتم تغريمها بمبلغ الكفالة 100 دولار (دفعها محام أبيض يُدعى “كليفورد دُور” كان هو وزوجته فيرجينا من المتطوعين الناشطين في الدفاع عن حقوق السود).استَأنفت روزا محاكمتها، ومن العجيب أن المحكمة حددت جلسة محاكمتها بعد أيام أربعة فقط! وفى يوم المُحاكمة احتشد أكثر من 500 مواطن معظمهم من أصحاب البشرة السوداء داخل القاعة وخارجها، يتميزون غيظاً، ويهتفون بالخارج مطالبين بالعدالة والمساواة فى الحقوق وفي صيانة كرامة المواطن .. أي مواطن.
وهنا يأتي دور محام زنجي شاب في السادسة والعشرين من عمره يُدعى “مارتن لوثر كينج” وهو في الوقت نفسه راعي الكنيسة المعمدانية بشارع “دِكستر”.
في يوم محاكمة روزا باركس كوّن تجمع من سكان مدينة مونتجمري “اتحاد الإصلاح”، فاختار رئيساً له ومتحدثاً باسمه “مارتن لوثر كينج”، ومُدافعاً – مع آخرين – عن روزا. وأصدرت المحكمة حكمها بإدانة “المُتهمة” وتغريمها مبلغ 14 دولار. فرفضت روزا الغرامة، فنصحها زوجها أن ترضخ “وإلا سيكون مصيرك القتل بأيدي العنصريين”، فأجابت بشجاعة: (إذا كان قتلي يعني شيئاً مفيداً لأهالي منونتجمري، فلسوف أكون سعيدة أن أمضي في هذا السبيل). واستأنف محاموها الحكم.
لم يضيع “كينج” وقتاً. في يوم المُحاكمة، طبع الاتحاد 52 ألف ملصق كبير يحمل صورة روزا ودعوة إلى التضامن لإزالة التفرقة العنصرية. عُلقت في أنحاء المدينة وفي مدن أمريكية أخرى. وفي نفس اليوم عقد اجتماعاً أحسن فيه الخطاب عن قضية الملونين، و أقنع الحاضرين بتبني أسلوب الزعيم الهندي “غاندي” في المقاومة السلمية، واقترح الإضراب – من جانب السود ومؤيدي حقوقهم من البيض – عن استخدام سيارات النقل العامة (الأوتوبيس)، فوافق الجميع.
كان مقرراً أن يستمر الإضراب أو المقاطعة لمدة يوم واحد، لكنه امتد إلى 381 يوماً، والسبب: تصاعد تحدي وغضب المواطنين السود ومؤيدي حقوقهم المشروعة حين رأوا أن المتعصبين ضدهم من أصحاب السيارات الخاصة –بكل أنواعها – وسائقي سيارات الأجرة تعاونوا على تيسير نقل الركاب (مجاناً أو بأجر زهيد). لكن الشركات صاحبة سيارات أوتوبيسات النقل العام أصيبت بالإفلاس. فبدأت العنصرية في التراجع قليلاً. وأصبح مارتن لوثر كينج شخصية مؤثرة مرموقة.
لقد لعبت روزا دوراً هاماً في زيادة الوعي الدّولي بمحنة الأمريكيين الأفارقة والنّضال من أجل الحقوق المدنيّة.
حصلت باركس على عدد كبير من التكريمات والجوائز والمراتب الفخرية من قبل العديد من الأشخاص والجّهات، إلا أن أهم التكريمات التي حصلت عليها هي “الوسام الرئاسي للحريّة” في عام 1996م، و”الوسام الذّهبيّ للكونجرس الأمريكيّ” في عام 1999م، وهو أعلى تكريم مدني في البلاد.
عاشت روزا بديترويت حتى ماتت في شقتها التي تقع في الجانب الشرقي من المدينة في 24 أكتوبر 2005 عن عمر يناهز 92 عاماً، لم تنجب روزا أطفال، وكان معظم أقربائها يعيشون بميتشجان أو ولاية ألاباما. في 27 أكتوبر 2005 أعلن مسؤولون في مدينة مونتجمري وديترويت، بأن المقاعد الأمامية لحافلات المدينة ستكون محفوفة بالشارات السوداء في شرف السيدة روزا باركز حتى الانتهاء من مراسم تشييع جنازتها. حُمل جثمانها جواً إلى مونتجمري، ثم وُضع على عربة الخيول إلى كنيسة القديس بولس حيث الأسقفية الميثودية الأفريقية، حيث رقد جسدها هناك في 29 أكتوبر 2005، وعقدت مراسم تأبين باركز في صباح اليوم التالي، وقال أحد المتحدثين بلسان كونداليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، إن لم تقم باركز بتحريرها السود، فربما لم أكن موجود الآن كوزيرة خارجية. في مساء يوم 29 أكتوبر 2005 تم نقل جثمان باركز إلى واشنطن العاصمة جواً ثم نُقل إلى بهو مبنى الكابيتول حيث مثواه الأخير عبر حافلة مماثلة لتلك التي شهدت احتجاج باركز. كانت باركز الـ31 وأول مواطن أمريكي ليس بالمسؤول الحكومي، وأول أمرأة وثاني شخص أسود يدفن بمبنى الكابيتول، وشاهد مراسم وضع الجثمان بالكابيتول حوالي 50 ألف وبُثت مراسم وضع الجثمان على الفضائيات في 31 أكتوبر 2005.
عاد جسدها مرة أخرى إلى ديترويت، ليوضع في راحة متحف التاريخ الأمريكي “تشارلز” رايت لمدة يومين، وعقدت مراسم جنائزية استغرقت وقت طويلًا في ديترويت استمرت لسبع ساعات في 2 نوفمبر 2005، بكنيسة جريس العظيم بديترويت. بعد انتهاء المراسم الجنائزية قام حرس الشرف من الحرس الوطني بميتشجان بعد وضع العلم الأمريكي على النعش على عربة تجرها الخيول، وتم الذهاب بجسد باركز إلى مثواه الأخير في موكب به الألاف من البشر وهتف الكثير وصفقوا وأطلقوا البالونات البيضاء، وتم دفن باركز بجوار زوجها وأمها بمقبرة دون ديترويت بضريح بكنيسة صغيرة أطلق عليها فيما بعد اسم روزا مقرونًا بالحرية تكريمًا لها، ونحت على قبرها اسمها مع تاريخ ميلادها 1913.
بالحقيقة إنها إمرأة شجاعة بمجرّد رفضها لإخلاء مقعدها على حافلة نقل عام لشخص أبيض ومخالفةً بذلك أوامر السائق، أشعلت شرارة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة التي ساهمت لاحقاً بإنهاء التمييز العنصري.