ما أجمل الكلمات التي تفوه بها السيد المسيح:طوبي للرحماء,فإنهم يرحمون(متي5:7).
عشنا الأيام الماضية جدالا يخص الناشطة السياسية التي انتحرت وكان هناك من يدينها رافضا الترحم عليها, وأولئك الذين يعذرونها بسبب الظروف القاسية التي عاشتها.
هذا الموقف يذكرني بالأرملة المسكينة التي ذهبت للكاهن للاعتراف,وقد كان زوجها انتحر إذ قفز من جسر في النهر, فكانت تبكي بحرقة قائلة:الآن زوجي في الجحيم لأنه انتحر,ونحن تعلمنا أن الانتخار خطيئة مميتة لاتغفر.
فما كان من الكاهن إلا أن قال لها:سيدتي, بين الجسر والنهر,هناك رحمة الله! وحتي النهاية, هناك دائما أبدا رحمة الله.
لاننكر أن الانتحار خطيئة مميتة, ولكن لا ننسي رحمة الله التي تفوق كل خطايانا, ليس الهدف من هذا الكلام هو تأييد أو تشجيع الانتحار أو تبرير هذا الفعل,ولكن أن نترك الدينونة لله الديان الوحيد الذي يعلم ما بداخلنا وما الدوافع لكل ما نقوم به.
ولنتأمل هذا الوصف المبهر لكاتب مجهول عن قصة كل واحد منا نحو الآخر:أنظر إلي ذاتي من خلال عدسة أنانيتي, فلا أري سوي ما يحلو للقلب رؤيته, بينما أنظر إلي القريب بميكروسكوب سوء الظن واعتباره شريرا وسيئا إذا غضب القريب وثار فهو متهور وأحمق, لكن إذا أنا غضبت فلأن أعصابي مرهفة.
إن تمسك الآخر بآرائه فهو عنيد متصلب الرأي والفكر,بينما أنا أتمسك بآرائي لأنني صاحب مبدأ.
إذا انغلق القريب علي ذاته وتجنب أصدقائه فهو متكبر ومتعالي علي الجمعي,لكن إذا أنا تجنبتهم فلأني صريح وواضح ولا اختار إلا بعد تفكير.إن أبدي القريب لطفأ واحتراما للغير, فإن وراء هذا مصالح شخصية لا يعلمها إلا الله وحده,أنا إذا كنت أنا لطيفا ومحترما مع الآخرين, فلأني رجل مهذب ومحترم.
إذا تأخر القريب في اتمام واجباته, فهو كسول ولا يقدر المسئولية ولكن إذا تأخرت أنا, فلكي أمعن النظر وأتقن كل ما أعمله, إن بادر القريب بعمل لم يطلب منه, فإنه فضولي يتدخل فيما لايعنيه, أما أنا فإذا أتممت عملا لم يطلب مني فهذا بدافع روح المبادرة والأخلاق!.
هذا الواقع نعيشه كل يوم بين الناس, لذلك يجب أن نضع في الاعتبار أن كل شخص له مبررات ما يفعله ولا يعلمها إلا الله وحده.
فالرحمة لغة يفهمها جميع البشر, وكما أن الشمس تبدد الضباب عن وجه الأرض, فتدب الحيوية في الطبيعة وتنتعش المخلوقات, هكذا الرحمة لبعض النفوس تزيل عنها الخمول وتعيد إليها النشاط والحيوية وحب الخير,كما أنها تبعدها عن الشر والفساد.
فإذا كان الله رحيما معنا, فلماذا لا نقوم بالمثل مع الآخرين؟ يستطيع كل شخص منا أن يكتشف الرحمة في أعماق قلبه, ليعامل بها القريب وهكذا يستطيع أن يساعده علي تأدية رسالته بإخلاص في هذه الحياة ويتجنب كوارث عدة ولا ينغلق علي ذاته بسبب ما يقابله من برودة وجفاء في المعاملة وسوء الظن ويجنبه التفكير في عمل الشر.
مما لا شك فيه أن كل شخص منا مسئ,ا ايس عن الشر الذي يعمله فقط ولكن أيضا عن الخير الذي يستطيع أن يقوم به ولكنه لا يفعل ذلك, كما أنه مسئول عن الشر الذي يقع فيه الغير بسبب تقصيره نحوه كم من المرات تسببنا فيها بأذي للغير عندما تعاملنا معه بشدة وبحكم قاس؟ كم من المرات تسببنا فيها بضرر الآخرين لعدم توعيتهم أو مساعدتهم؟ إذا يجب علينا ألا نحتقر أي شخص مهما كان يتصرف بالسوء, لأن أكثر الماس شرا يحمل بين طيات نفسه شرارة إلهية من الممكن أن تلتهب في أي لحظة كما يجب ألا ندين أو نحتقر أعمال الغير,لأننا كثيرا ما نجهل الدوافع التي أدت إليها, ولا نعلم النتائج البعيدة التي تستخلصها العناية الإلهية الساهرة.
فالإنسان الطيب يقبل الآخرين بعيوبهم ويأخذ بيدهم للنهوض بهم ومساعدتهم للوصول إلي الهدف السامي الذي نتمناه منهم, إذا ليس هناك فضيلة تمس قلب الله فيهتز منها رضي وغبطة مثل الرحمة التي نتعامل بها مع الغير,لأن الرحمة هي أفضل وسيلة لقمع الشر وتفجير طاقات الخير في النفوس لكن القسوة تدفع إلي الجريمة والأعمال العدوانية وكثيرا ما ردت الرحمة نفوسا ضالة إلي الصواب وجعلت من المجرمين عناصر خيرة للمجتمع ونختم بالقول المأثور:ارحم من في الأرض,يرحمك من في السماء.