كورونا مرعب وخطير؟ نعم مرعب وخطير, كورونا جعل الجميع علي بعد خطوة من الموت؟ نعم حدث, كورونا سوف يقضي علي الجميع؟ لا طبعا, فلا تستسلموا لمثيري الرعب, الموت قادم لا محالة بكورونا أو بدون كورونا, الآن أو بعد عام أو بعد مائة عام, لكن الرعب يقلص قدرتنا علي مقاومة المرض والتصرف بحكمة في مواجهته, ومعظم الحالات تشفي بلا أزمات كبري. هذه ليست رسالة طمأنة وأنما محاولة للتلامس مع الواقع.
كورونا غير نفوس البشر؟ لا لم يحدث, فالجائحة لم تغير أحدا, فمازال المتاجرون يتربحون من التجارة الحرام في آلام المرضي, وما زال الانتهازيون يتربصون بفرص الكسب حتي لو بين فكي عزرائيل, ومازال قليلو الحيلة بلا اتجاه ولا بوصلة ترشدهم في أي اتجاه يسيرون, بل أنهم صاروا يتخبطون, ولولا بقية من النبلاء الذين يساهمون في طمأنة الناس وتحجيم ذعرهم واندفاعهم نحو المشافي, لوجدنا كوارث تفوق ما يجري حاليا.
وهنا لا أحدثكم عن الطمأنينة في أيام الرعب, ولا عن الحكمة في زمن الاندفاع, ولا عن التضحية والتضامن, وإنكار الذات, في زمن الأنانية والانتهازية والاستعراض, لكنني فقط لملمت التفاصيل المبعثرة في أركان صورة الواقع لأضعها في هذه السطور, فما رفع أسعار عقاقير علاج كورونا, مثل التاميفلو, والهيدروكسي كلوروكين,في الصيدليات – إن وجدت- لتناطح المخدرات في تكفلة الحصول عليها, بعد أن وصلت أسعارها إلي بضعة آلاف من الجنيهات مقابل العبوة الواحدة, هي الانتهازية, فصار من يرقد في منزله غير قادر حتي علي إجراء اختبار المسحة لإثبات الإصابة أو نفيها, لن يستطيع الحصول علي الدواء, خارج طابور المرمطة لإجراء المسحة في مستشفيات فقدت قدرتها الاستيعابية قبل الدخول في ذروة الوباء, ومع قوة السحب الهائلة علي الدواء لتخزينه احتياطيا- شراءالذعر- أو لعدم كفاية المتاح منه تزاوجت الانتهازية مع شراء الذعر, لينجبا مزيدا من القهر للغلابة, كما لو كان هناك اتفاق ضمني علي المرضي الحقيقيين الذين يحتاجون لشراء العلاج ولا يجدونه , وهو ما يضرب مبدأ العدالة في الحصول علي العلاج في مقتل.
نعم الجائحة لم تغير أحدا, فلا تحدثني عن التعقل والتروي, في غياب كبح لجام شهوة النشر لدي بعض رواد السوشيال ميديا, واقترانه بشهوة الاستعراض, بعد ان نشر البعض بروتوكولات علاج كورونا المتبعة في مستشفيات العزل, علي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي,فتحول الجميع إلي أنصاف أطباء, يصفون العلاج دون أدني مسئولية, وبدأت بوصلة شراء الذعر تتجه نحو الأدوية الوارد ذكرها في بروتوكولات العلاج المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي, فيتامين سي والزنك وخوافض الحرارة المنتمية لمجموعة الباراسيتامول, وبعض المضادات الحيوية,طبعا أصحاب الدخول المحدودة والقوت اليومي ليس بمقدورهم تخزين الطعام, فما بالنا بالدواء الذي ليسوا في حاجة حقيقية له طالما غاب مؤشر الإصابة في أجسادهم.
الجائحة لم تغير أحدا, فلا تحدثني عن الشفاء في غياب الدواء, وقد تسابق القادرون علي اقتناء مجموعة العلاج مضروبة في عشرة أضعافها, بينما المريض لا يجد حتي خافض الحرارة, بعدما أصبح العلاج في حوذة السليم بينما يستغيث المصاب بحثا عنه.
لا تحدثني عن الصمود, وما زال عذاب الناس يزلزل أفنية المستشفيات, طلبا في إجراء اختبار المسحة, لا تحدثني عن خطط احتواء التفشي, والناس يموتون قبل ظهور نتائج المسحات, لا تحدثني عن وعي الشعب, فماذا يفعل المعدمون والجاهلون بالتعامل مع الوباء وهم كثر؟ فلا تحدثني عن الوعي في زمن الجنون وكيف تطلب وعيا, من الذين -بالكاد- يعلمون كيف يضعون بصمات أصابعهم فوق أوراقهم الثبوتية, ونسبتهم تصل إلي 25.8% من عدد السكان في عام 2019 -طبقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء- أي أن ربع الشعب أمي الكتابة والقراءة, فماذا يفعل هؤلاء وسط طوفان التعامل الافتراضي عبر شبكة الإنترنت.
لا تحدثني عن العزل المنزلي, والاختباء في غرفة مستقلة أملا في السيطرة علي العدوي, بينما يحيا البعض تحت خط الفقر, في عشش من صفيح, فضحتها سيول مارس الماضي, والبعض يحيون في عشوائيات كل عشرة في حجرة واحدة؟ وحينما يصاب فرد منهم يرقد الجميع؟ وقد يموت الجميع أيضا,لا تحدثني عن العزل المنزلي في ذروة الوباء لأكوام من اللحم ينتهي بها الليل فوق رقعة من الارض, لا تتعدي مترين في مترين, لا تحدثني عن جودة التهوية, وبيننا من يسكنون البدرومات, وفي القبو لا هواء ولا نور.
لا تحدثني عن إنجازات, وزارة الصحة, وبروتوكولاتها, , فما عاد يعنيني إنجاز سياسي, في غياب حس إنساني, ولا تعنيني بروباجندا إعلامية في ظل كارثة وبائية.لا تحدثني عن سباق الحياة مع الموت والإجراءات والاحتياطات, والقبور قد فتحت فاها لابتلاع الغلابة أولا.
[email protected]