من أحضان المسئولية قد يولد الفزع وقد تنمو للشدة أكتاف في المحن, ومن جحيم التخلي يضيق الممر ويتسع حتي فردوس النعيم, وجيعة هنا, وفرحة في خزينة الزمان ترقد هناك وكؤوس ملآنة خليطا من الرضا والبؤس البهجة والشقاء, الترحال والسكن, وفوق ملامح البائسين عاهات ارتكبها القدر, لكنها ما زالت تنطق بالرغبة في الحياة, تتراقص ذرة ملح في أواني الطعام الذي غاب عنه المذاق, حتي تنعشه ذرة الملح التي بدونها نحيا بلا معني.
في حياة كل منا ذرة ملح ناقصة قد يجدها أو لايجدها أو في رسالة نعمة يستقبلها لكنه يحيا علي أمل الحصول عليها.
عاشت والدة مريم تبحث عما يلون أيامها بعدما ألبستها الأقدار الأسود وما زالت في ريعان شبابها, فالتحفت بابنتها وابنها, وصاروا كل ألوان الربيع المغطاة بثوب الحداد, منتهي الممدة فوق جسد اليتم, طعم الشهد وسط علقم هذا الكون, حتي وصلت لذروة اللا حيلة لاتبتغي سوي ذرة ملح تضيف لعرس ابنتها مذاق الفرح, وطعم الراحة, فجاءت إلينا تحكي قصتها ربما نجد سويا من يملك ذرة الملح, جاءت تحكي قصتها.
تقول أم مريم:اتجوزت من 21 سنة, ماعشتش مع جوزي إلا خمس سنين, كان لسه مخلص الدبلوم. وأهله جوزونا معاهم في نفس البيت, أول ما اتجوزنا حملت وهو طلبوه في الجيش دخل الجندية وأنا عشت مع أهله, ولما خرج كان معانا ولد وبنت, وقبل ما نفكر هايشتغل أيه, فوجئنا أنه تعب جدا, وجاله سرطان الطحال في سنة واحدة كل حاجة انتهت.
الزوج راح, وبقيت أرملة والأب راح والعيال صاروا يتامي, والعزوة والعيلة اتخلت, وأهلهزعطوني من البيت يعني طردوني أنا وعيالي.
أبوه كان دايما في القاهرة وهو كان يتيم الأم مرات عمه هي إللي كانت مسيطرة علي البيت, ذلتني أنا وعيالي ورمتنا بره كنا عايشين في مغاغة, سبناها ورحنا بني مزار, وهناك الكنيسة شالتنا من علي الأرض شيل جابوا لنا بيت عشنا فيه, وصرفوا علي عيالي لغاية ما اخدوا الدبلوم وساعدوني أطلع معاش 360 جنيه من الشئون الاجتماعية.
وتكمل أم مريم في خجل: باخذ 200 جنيه من الكنيسة و150 من المطرانية وماعنديش أي دخل تاني سترت نفسي وعيالي عن عيون الناس علشان أربيهم اللحم ماكناش بندوقه إلا من العيد للعيد, لو حد حن علينا بكيلو, والفاكهة ماتدخلش البيت بالشهور وإبني الكبير أرزقي مساعد بنا في الفاعل يوم يطلع وعشرة لأ حسب الرزق, بيساعد علي أد ما يقدر لكن الحياة مشيت وماحتجناش نمد أيدينا إلا للكنيسة لكن لما البنت قربت تتجوز كل حاجة اتغيرت.
كل شيء قدام عيني بقي مكشوف بعد ما كان مستور كل الزمن إللي فات رجع لي بذله ومره كل الحرمان والوحدة, وقسوة الحبايب قدام عيني شايفاها كأنها أمبارح, كل لحظة قهر وإحنا مش لاقيين اللقمة, كل لحظة خوف والأمان ضايع مننا وأنا بطولي وسط الخلق, والعيال يادوبهم لحم أحمر في يدي, كل حاجة بكل تفاصيلها بقت ملو عيوني, لما لقيت البنت بتطلب مني جهازها والخرس ماليني.
وتنفعل أم مريم لتصف ابنتها: بنتي حلوة وجميلة عندها 18 سنة, خلصت الدبلوم وعريسها جالها, الستر حلو والخطوبة تمت, وقلت ربنا يعدلها والكنيسة ساعدت بالأجهزة الكهربائية, وكل إللي قدر يعمل شيء عمله لكن باقي المطبخ خشب ومواعين, عايزة أسترها قدام أهل جوزها, ماحدش يعرف عننا حاجة ومطلوب مننا فرش البيت, ألحفة وبطاطين وفوط وملايات, وستاير وسجاد ومواعين مطبخ كاملة, أجيب كل ده منين ده غير خشب المطبخ, إللي دفعت فيه 9 آلاف جنيه كتبت علي نفسي إيصالات أمانة أسدهم لما استلمه والمفروض استلمه يوم17 مايو والفرح يوم 25 مايو.
لما قالوا الكنايس اتقفلت علشان كورونا فرحت قلت نصيبي ربنا عالم بحالي علشان الفرح يتأجل وأقدر أجمع المبلغ لكن القرار اتلغي والفرح هايتم في ميعاده, وأنا في وحلة ومش لاقية معايا حد, ده غير طلباتها الشخصية وملابسها وبعض الأدوات إللي جبتها كلفت 7 آلاف جنيه.
هو ده كل همي الولد في النهاية أهو ولد, بكرة يشتغل بانتظام ويشيل نفسه لكن البنت اليتيمة دي, إللي عشت العمر علشان أسترها ينتهي بينا الحال وأنا مش عارفة أستلم خشب مطبخها لأني مش معايا الفلوس؟.