في عصر الأزمات يبرز الدور المحوري لترابط أطراف الكتيبة الصناعية فيما يسمي التلاحم في مواجهة الأزمات, فليس هناك ثمة خلاف أو اختلاف في المنظومة الصناعية الحديثة علي أن رأس المال البشري الذي قوامه العامل والأسطي والمهندس والمدير هو العنصر الأهم والحاكم والذي تبني عليه طموحات المؤسسة في تحقيق أهدافها وما يتخطي ذلك من استثمار النجاح لتحقيق المزيد من النجاح وهو أثمن ما تقتنيه أي مؤسسة صناعية والتي يترسخ لديها علي مر الخبرات والسنين مفهوم الاقتناء لرأس المال البشري من واقع التنمية المستدامة والارتقاء به صعودا علي السلم المهني والوظيفي.
ويخطئ من يظن أن العمالة البشرية في المجتمع الصناعي هي أمر ثانوي أو تكميلي يمكن استدعاؤه في أي لحظة والاستغناء عنه واستبداله بآخر بنفس السهولة.وواقع الأمر أن رأس المال البشري المتمثل في العمالة هو أهم مكون في الهرم الصناعي إذ أنه معامل الأمان في استقرار منظومة العمل والحفاظ علي الآلات وتداول منظومة الجودة والارتقاء بها وتطويرها,ومن ذلك فان العامل هو عنصر الأمان الرئيسي الذي يحافظ علي الآلة والخامة وجودة المنتج وسياسة المؤسسة في التطور والارتقاء.
هذا الأمر في حد ذاته يدحض بشدة ما تناولته بعض الأقلام غير المتعايشة مع حقائق الأمور والتي تستعطف أصحاب الصناعات للحفاظ علي عمالهم وعدم الاستغناء عنهم في زمن الأزمة الاقتصادية التي تجتاح بلدان العالم جراء وباء كورونا,إذ أن الصناعة تختلف عن باقي الأنشطة الاقتصادية بالإيمان الراسخ من أن العامل الكفء هو رأس مال قابل للتنمية والارتقاء المهني وفيه تكمن أسرار التكنولوجيات المتطورة وفن التعامل مع الآلة وإدارة منظومة الجودة وفي فقدان هذا العامل ينهار جزء أساسي من المنظومة, ناهيك عن انتقال الخبرة المكتسبة لهذا العامل للانتقال لنشاط منافس.
ومن هنا أصبح الهدف الأسمي للمؤسسة الصناعية أن تعني بالتنمية البشرية لرأسمالها البشري دفعا به إلي المراحل الأعلي من درجات المنظومة البشرية تحقيقا لأهداف المؤسسة المستقبلية.
موجز الأمر أن ارتقاء ورفعة المؤسسة الصناعية يسير يدا بيد مع الارتقاء بالمستوي الفني والإبداعي وأيضا الانضباطي لجميع أفراد المؤسسة دون أن نغفل ما يصاحب ذلك من تحقيق طموحات الفرد في زيادة الدخل ومردوده علي الأسرة والطفل والمجتمع المحيط.
وهناك العديد من المؤشرات الاقتصادية التي تتداولها المؤسسة الصناعية كمدخل لقياس تطورها الاقتصادي من سنة لأخري ومنها معدل زيادة الإنتاج السنوي – معدل دوران المخزون خلال العام- قيمة رأس المال ومعدل دورانه خلال العام-متوسط تطور إنتاج العامل من عام لعام – إنتاجية الجنية/أجر ومقارنة ذلك بالأعوام السابقة – قيمة ميزانية البحوث والتطوير ومدي كفايتها لتحقيق طموحات مستقبلية – تطور الأصول وحقوق الملكية وأيضا احتياجات القدرة التنافسية من التمويل استكمالا لأدواتها بالسوق المحلي الداخلي وكذا التوجه التصديري للسوق العالمي وما يحتاجه ذلك من استيفاء لمنظومة الجودة والمنافسة السعرية وأيضا خدمات ما بعد البيع للأسواق الخارجية وجميعها أمور تعتبر قاسما مشتركا يجتمع حولها رجال الصناعة بلا ملل في اجتماعاتهم المشتركة.
وما يعنينا في هذا المقام إنما البحث عن العنصر الأهم الحاكم في تطور المنظومة الصناعية ألا وهو العمل علي رفع إنتاجية العامل بتوفير كل ما يلزم لذلك من إمكانيات وبذا يتحقق للعامل إمكانية زيادة دخله ممولا من عائد إنتاجيته وهو الأمر الذي ينعكس علي المؤسسة في زيادة إنتاجيتها وحصتها التسويقية من السوق مما يحقق اتفاق مصالح قائم ومباشر ومستمر بين مصلحة العامل ومصلحة المؤسسة, محققا بذلك ليس فقط الرابطة المادية وإنما أيضا الرابطة المعنوية التي قوامها الولاء والانتماء للمؤسسة, حيث يشعر العامل أنه شريك رئيسي في نجاح المؤسسة.
بمعني أن واجب المؤسسة الحديثة هو أن تحرص علي العامل باعتباره أحد عناصر رأس المال وتنميته وتزيد من مهاراته وتعلي من درجة رضاءه المادي والمعنوي دون أن تغفل أن تمويل ذلك سيخرج من عباءة زيادة إنتاجية الفرد.
فإذا كنا نعلم أننا كمدراء وقادة للمنظومة الصناعية, كل داخل مؤسسته الصناعية أن طموحات العامل تحدو به أن يتوقع زيادة الدخل كل عام,وكانت الإدارة تعلم أنه في الحفاظ علي تلك العمالة عالية التدريب والتقنية ضمانا لاستمرار نجاح المؤسسة وتثبيتا لأقدامها في السوق ومدعاة لزيادة نصيبها التسويقي,فماذا هي فاعلة للحفاظ علي تلك العمالة دون الإخلال بمعادلة الاحتفاظ بعناصر التكلفة داخل حدودها المقبولة,ومن أين تستطيع توفير الزيادة المستمرة في الدخل التي تقابل طموحات العاملين دون الإخلال بالمنظومة الاقتصادية..الإجابة علي ذلك تكمن في زيادة إنتاجية الفرد بتوفير أدوات زيادة الإنتاج دون الإفراط في زيادة أعداد العمال.
علي سبيل المثال في مجال المناولة فإن أدوات المناولة الحديثة من روافع وأوناش وسيور ناقلة للحركة تحمل الإنتاج فيما قبل وبعد كل عملية إنتاجية هي من الأمور التي من شأنها رفع إنتاجية الفرد وتحجيم زيادة العمالة غير المطلوبة والتي قد توظف كعمال درجة ثانية أو ثالثة من شيالين وعتالين وعمال نقل ومناولة وهي أمور غير وارده بمفاهيم الإدارة الحديثة.
أما من ناحية رفع القدرة الإنتاجية باستعمال درجة أعلي من الميكنة الأوتوماتيكية فهو الوجه الآخر من الصورة المثلي لزيادة الإنتاج وانتظام وقع العمل ألا وهو تحويل المكابس إلي مكابس آلية والمخارط إلي مخارط آلية وتحويل عمليات اللحام إلي منظومة تحكمها مكونات التحكم الآلي من عناصر روبوت اللحام الذي يستعمل درجة أعلي من الذكاء والتحكم الاصطناعي المأمون في إطار هذا أو ذاك سيقتضي الأمر الرفع التدريجي من مهارات العمالة الفنية لتستطيع التحكم والتخطيط والبرمجة لهذه المعدات الحديثة,وبالتالي ترفع من قدرات العامل الفني ليتساوي مع زميله الأوروبي بعد أن أصبح مؤهلا ومستحقا لزيادة الدخل عاما بعد عام وتمويل ذلك من وعاء زيادة الإنتاجية للفرد.
مما سبق فإنه يمكن أن نخلص إلي أن منظومة نجاح المؤسسة الصناعية تبدأ من العمل علي زيادة إنتاجية الفرد بكل ما يحويها هذا المفهوم من مدخلات ومخرجات اقتصادية وفنية وينتهي به أيضا.
يبقي في النهاية أنه لن يبني مصر إلا المصريون وتحية إعزاز وتقدير لفرسان الإنتاج في كل موقع عمل الذين كانوا وسيظلون في أول الصفوف للذود عن الوطن متي دعا الداعي, فهنيئا لمصر بعمالها الأوفياء في عيدهم.
بقلم دكتور مهندس/نـادر ريـاض
رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني
عضو مجلس إدارة الصناعات المصرية
www.naderriad.com