انتقل من عالمنا، يوم الاثنين 18 مايو 2020 ، أستاذ جامعي فاضل بل وأستاذ الأجيال وعالم كيمياء جليل هو الأستاذ الدكتور يوسف رياض يوسف أستاذ علوم “كيمياء فيزيائية” بكلية العلوم – جامعة الإسكندرية.
وُلد في عام 1924 بصعيد مصر، وتخرج في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) عام 1944، وفور تخرجه حضر إلى جامعة الإسكندرية – التي كانت قد تأسست عام 1942 – وعمل معيداً بقسم الكيمياء بها عام 1944. حصل على دكتوراة فلسفة في العلوم تخصص “الكيمياء العضوية عام 1955. تدرج في وظائف هيئة التدريس بكلية العلوم –جامعة الإسكندرية إلى أن عُين رئيس مجلس قسم الكيمياء بالكلية في الفترة (1984 – 1985)، ثم أستاذاً متفرغاً منذ عام 1985.
أوفد في مهمة علمية، إلى جامعة “توبنجن” بألمانيا في الفترة (1958 –1959)، كما عمل أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات منها: جامعات تركيا عام 1978، جامعات ألمانيا أعوام (1980، 1982، 1987).
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة.
بداية معرفتي به عندما التحقت بكلية العلوم – جامعة الإسكندرية – عام 1972 لدراسة بكالوريوس الرياضيات، بعد حصولي على بكالوريوس الهندسة في يونيو 1972. في ذلك الوقت كان الدكتور يوسف رياض أستاذاً بقسم الكيمياء. وفي عام 1974 عندما كنت طالباً ببكالوريوس علوم رياضيات، كان الدكتور يوسف رياض رئيس كنترول الفرقة الرابعة. وجدنا فيه كل التعاون وكل الأبوة وكل الحب نحو أولاده الطلاب، وكان يحمل احتراماً شديداً للطلاب بالكلية الذين يعملون معيدين بكلية الهندسة.
تخرج على يديه العديد من العلماء الحقيقيين المنتشرين في أنحاء جامعات العالم، ومن أشهرهم الراحل الدكتور أحمد زويل أثناء دراسته في جامعة الإسكندرية في فترة الستينيات، والحائز على جائزة “نوبل” في عام 1999.
في أغسطس 2017 ، عندما قامت جامعة الإسكندرية بإحياء الذكرى الأولى على رحيل الدكتور أحمد زويل، وقف الدكتور يوسف رياض – وبتواضع العلماء – تحدث عن ابنه وتلميذه الدكتور زويل، فقال: (إنه كان أستاذه المباشر في قسم الكيمياء، مشيداً بأنه كان طالباً نابغاً، استوفى جميع شروط منحة جامعة “كالتك” Caltech العلمية). وأكد الدكتور يوسف رياض:(أن تلميذه أحمد زويل قد استوفى دراسته العلمية، وهذا يعنى أن الجامعة تبنى شخصية الطالب العلمية).
وحدث بعد حصول الدكتور أحمد زويل على جائزة “نوبل”، أقامت جامعة الإسكندرية احتفالاً كبيراً له في مصر، وكنت أحد الحاضرين لهذا الاحتفال، وفوجئنا فور دخول الدكتور زويل قاعة الاحتفال، أن توجه فوراً بالسلام على الدكتور يوسف رياض وقدم له التحية بشكل خاص، وقال أمام الجميع: (الدكتور يوسف هو اللي علمني الكيمياء)”.
كان الدكتور يوسف رياض موضع ثقة من أكاديمية السويد التي تمنح سنوياً جائزة “نوبل” في مجالات مختلفة منها تخصص “الكيمياء”. حدث في عام 2010 أن وصلت الدكتور يوسف رياض رسالة شخصية من إدارة جائزة “نوبل” بالسويد لترشيح شخصيات للتكريم في جائزة “نوبل”، فقام الدكتور يوسف رياض بالتواصل مع الدكتور زويل لطلب إعادة ترشيحه مرة أخرى لجائزة “نوبل”، وأنه على الفور قام الدكتور زويل بإرسال بحث علمي جديد للدكتور يوسف عن جهاز “تلسكوب” رباعي الأبعاد يجعل الأشياء غير المرئية مرئية، ويوضح الجزيئات في الخلية، وهي تتفاعل مع بعضها، من خلال حساب طول وعرض وزمن الجزئي. وفعلاً قام الدكتور يوسف رياض بإرسال ترشحه للدكتور زويل للمرة الثانية لإدارة جائزة “نوبل” بالسويد.
وأكد الدكتور يوسف رياض، أنه كان يتوقع حصول الدكتور زويل على جائزة “نوبل” للمرة الثانية، عن الأبحاث العلمية المهمة التي كان يقوم بها قبل وفاته، إلا أنه – كما قال الدكتور يوسف رياض – “محصلش نصيب”.
تميز الدكتور يوسف رياض بالجدية في البحث العلمي مع الأبوة الفائقة في تعاملاته مع تلاميذه وتعاونه الصادق مع زملائه.
شغل الدكتور يوسف رياض عضوية الجمعية الكيميائية بلندن، نقابة المهن العلمية بمصرـ جمعية أصدقاء الكتاب المقدس بالإسكندرية. له ما يزيد عن 40 بحثاً علمياً في مجال الكيمياء العضوية الطبيعية والأصباغ العضوية المنشورة في مجلات علمية محلية وعالمية متخصصة.
قام الدكتور يوسف رياض بتدريس مادة “العهد القديم” في الكلية الأكليريكية بالإسكندرية، وإلقاء العديد من المحاضرات عن “العهد القديم” بجمعية الرابطة المرقسية بالإسكندرية التي كان يرأسها طيب الذكر وخالد الأثر الأستاذ عادل عازر بسطوروس (1924 – 2010) المحامي القدير والشماس التقى.
كانت لي لقاءات متعددة معه بالإسكندرية كل يوم أحد بالكنيسة المرقسية حيث كان يحضر مبكراً بصحبة زوجته الفاضلة وابنته المباركة مستنداً على عصاه – لكبر سنه – ويقف في هدوء في الصفوف الأولى، منخرطاً في العبادة الحقيقية وكان ترحيبه بي رائعاً وبأبوة معهودة، وكم أشاد بمقالاتي المنشورة بجريدتي “الأهرام” و “وطني”.
وبعد انتهاء رحلة العمر وكمُلت أيام غربته على الأرض، غادر أرضنا بسلام بشيخوخة صالحة – 96 عاماً – وعاد إلى وطنه السمائي، ليسترح المقاتل الحقيقى في محراب العلم، والإنسان التقي المحب لكنيسته، صديق القديسين.