تحتفل كنائس العالم بكل طوائفها خلال هذا الأسبوع بعيد العنصرة، ويقول الكتاب المقدس:
” فيعلَمكم جميع الأشياء ” ( يوحنا ١٤ : ٢٦ ).. بهذه الآية يشير السيد المسيح إلى مهمة الروح القدس . ومهمته تعليم المؤمن كل شيء يتعلَق بخلاص نفسه ، بإفاضة مواهب الروح القدس السبعة عليه ، وهي :
الحكمة ، والفهم ، والمشورة ، والقوَة ، والعلم ، والتقوى ، والخوف .
نسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس لنفهم تعاليم المسيح ولاهوته وكل شيء إلهي موحى به بواسطة الروح القدس الذي يضمن لنفوسنا الخلاص الأبدي .
١ – ما معنى كلمة موهبة ؟
يحدَد القديس توما الاكويني مواهب الروح القدس بقوله : ” انها كمالات تُهيَء الانسان لإتباع إلهامات الروح القدس ” . فمواهب الروح القدس إذاً إستعدادات تقوية تميل بالنفس إلى الإصغاء إلى إلهامات الروح والعمل بها . ذلك أن الإنسان وإن جمَّلت نفسه النعمة ، وزينتها الفضائل ، يبقى مُعرَضاً للوقوع في الخطأ . لإن إراداته البشرية لا تزال ضعيفة وعقله عرضة للشك والضلال . وكثيراً ما ينجرف في تيار الأهواء الصاخب ، ولا يقوى على تقديس نفسه إلاَ بمعونة الروح القدس . فالروح عندما يسكن نفس المؤمن ويفيض عليها مواهبه السبع ، يخلق فيها جوَاً روحياً يسهَل عمل الخلاص .
٢ – هل مواهب الروح القدس سبعة فقط ؟
ليست مواهب الروح القدس مقصورة على سبع مواهب فقط ، ولكن العدد سبعة كثيراً ما يدلَ في الكتاب المقدس على ملء الكمال ، وقد أشار اشعيا النبي عندما تنبأ عن السيد المسيح بقوله : ” ويخرج جزع من جذر يسَى وينمي فرع من أُصوله ، ويستقر عليه روح الرب روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ،روح العلم وتقوى الرب ، ويتنعَم بمخافة الرب ” ( أشعيا ١١ : ١ ) . وكل هذه المواهب السبع تمدَ النفس بنور خاص .
١– الحكمة : تقود الإنسان على معرفة الامور الإلهية والتعمق فيها .
٢ – الفهم : يقودنا على تفهَم الكتب المقدسة ، والتعمق في حقائق الإيمان ، وتمدَ العقل البشري بنور روحي يتمكن من فهم أسرار الدين المسيحي في جوهره .
٣ – المشورة : تجنَب الإنسان الطيش والتسرَع والإدعاء وأخطاره على الحياة الروحية ، فالذي يتخذ قرارته دون إستلهام الله والعودة إليه ، يقع في ضلال ، فهو يعبد نفسه ويعظَمها ، بدلاً من ان يعبد الله ويمجَده ” لإن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة هي من لدنك يا ابا الأنوار ” . والمسيح نفسه أعطانا مثلاً في ذلك ، فلم يفعل شيئاً دون إستشارة أبيه السماوي ، لذلك قال عن نفسه : ” لا يستطيع الإبن أن يفعل شيئاً من عنده إلاَ إذا رأى ألآب قد صنعه ” ( يوحنا ٥ : ١٩ ) .
٤ – القوة : تمكَن الإنسان من العمل بحسب رغبة الله لمجابهة الشدائد واحتمال المحن والمصائب ، فنشعر مهما صعبت الحياة وقست علينا أن الله معنا ، ” إذا كان الله معنا فممن نخاف ؟ ” . كما فعل الله مع موسى عندما طلب منه إخراج الشعب اليهودي من مصر، قال له : ” إني أكون معك ” (خروج ٣ : ١٢ ) . وهكذا نقوى على : ” إطاعة الله لا الناس ” ( أعمال الرسل ٤ : ١٩ ) ، حتى ولو طُلب منا سفك الدماء ، وقد أوتي جميع الشهداء هذه القوَة ففضلوا الموت على الكفر أو نكران الله ومسيحه وكنيسته .
٥ – العلم : يُرينا الاشياء على نور روحي سامٍ . إن الملحد يرى الطبيعة والناس والاشياء بنوره الطبيعي ، أما المؤمن فيرى ذلك بالنور الذي يفيضه عليه الروح القدس . فيرى في الطبيعة والناس والجمال صورة الله البهية ، فيجتنب ما من شأنه أن يوقعه في مهاوي الضلال ، ويمشي إلى غايته الأخيرة معتمداً لها الوسائل الناجعة التي توصله إليها .
٦ – التقوى : وهي أثمن هبات الروح ، تشَد العزيمة ، وتُقوَي النفوس ، كما يقول القديس بولس الرسول : ” إن الروح يأتي لنجدة ضعفنا ” ( رومة ٨ : ١٦ ) . والتقوى تُهيمن على علاقات الإنسان بالله وتوطَدها على أسس صحيحة وثابتة . فهي مزيج من عبادة وإحترام بنوي للآب السماوي .
٧ – الخوف : أخيراً الخوف ، والخوف لا ينفي التقوى ، ولا نعني هنا بالخوف خوف القصاص ، كخوف العبيد من أسيادهم ، بل نعني الخوف من إهانة الله بالخطيئة . وهذا الخوف تحدث عنه أشعيا النبي عندما قال عن السيد المسيح ” انه يتنعم بمخافة الرب ” ( أشعيا ١١ : ١ ) ، وهو الخوف الذي يشعر به الملائكة في حضرة الله ، وهذا الخوف مصدره المحبة والإحترام والعبادة ، كما يقول المزمور : ” خشية الرب طاهرة ثابتة إلى الأبد ” ( مزمور ١٨ : ١٠ ) ، وعن روح الخوف هذا تحدَث بولس الرسول قائلاً : ” لم تتلقَوا روحاً يستعبدكم ويردكم إلى الخوف ، بل روحاً يجعلكم أبناء وبه ننادي : يا ابتا ” (رومة ٨ : ١٤ ) .
خاتمة :
لنسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس ومواهبه ، ويثمر فينا تلك الثمار التي أشار إليها بولس الرسول بقوله : ” أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف ” ( غلاطية ٥ : ٢٢ ) ، فتتفجر في أعماقنا أنهار ماء الحياة التي قال عنها يسوع يوم عيد المظال : ” من آمن بي فليشرب ، كما ورد في الآية : ستجري من جوفه أنهار من الماء الحي ، وأراد بذلك الروح الذي سيتلقاه المؤمنون به ” ( يوحنا ٧ : ٣٧- ٣٨ ) .
اللهم أمنحنا نحن المؤمنين بك المواهب السبع ، هب لنا غاية الخلاص ، أعطنا السرور والفرح الأبدي .