يعلمنا السيد المسيح بقوله:السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ(أعمال الرسل20:35) نحن نعيش زمن الأبطال, ولكن نود أن نمنح هذا اللقب الشرفي المتميز للأطباء والممرضين وكل من يعمل لإنقاذ الجنس البشري من وباء الكورونا.
كم من هؤلاء تعرضوا للعدوي ووقعوا أسري لهذا المرض نتيجة ما يقومون به من تضحية وتحدي حتي يتم شفاء المرضي؟وكم هؤلاء الذين ماتوا نتيجة العدوي أو الضغط العصبي من ساعات العمل؟كم هؤلاء الذين انتحروا لأنهم لم يتحملوا ما يشاهدون أمامهم من مرضي ميئوس من شفائهم؟ لا ننكر أن لقب البطولة يطلق علي فئات مختلفة وفي مجالات عدة, ولكننا اليوم أمام أبطال في سبيل الغير وليسوا لذاتهم,جميعهم يعمل من أجل بث الأمل والرجاء في نفوس المرضي حتي ينالوا الشفاء كما أنهم يجدون سعادتهم الحقيقية في الدور الذي يقومون به, ولايبالون بأي تعب يحل عليهم أو ما يدفعونه من مخاطرة ومجازفة في سبيل الآخرين نستطيع أن نتعلم منهم هذه الروح ونتعاون معهم بشتي الطرق والوسائل.
هذا يذكرنا عندما أقامت نقابة الأطباء بإنجلترا عام1920 حفل تخرج دفعة من الأطباء الجدد بحضور رئيس الوزراء, وأثناء الاحتفال قام النقيب ليبدي بعض النصائح الضرورية والهامة لهؤلاء الخريجين, ثم حكي لهم موقفا حيا حدث معه ليقتدوا به قائلا:جاءت امرأة عجوز إلي منزلي بعد منتصف الليل وأيقظتني من النوم مستغيثة بي :أرجوك يا دكتور,أن تأتي معي لأن ابني مريض ويحتضر فقمت للتو غير مبال بالعواصف الرعدية الشديدة والبرد القارس والمطر الذي لم يتوقف, وكانت تعيش في ضواحي لندن, وكان مسكنها عبارة عن غرفة صغيرة متواضعة ووجدت ابنها يرقد في زواية منها يتألم ويئن وعندما قمت بواجبي كما يجب أعطتني كيسا صغيرا به بعض النقود, فأعدته لها مرة أخري بلطف معتذرا عن عدم أخذه, ووعدتها بأنني سأتابع حالة ابنها حتي وهبه الله نعمة الشفاء الكامل.
هذه هي مهنة الطبيب التي تتسم بالرحمة والشفقة والتضحية كما أنها الأقرب إلي قلب الله.
وما كاد النقيب ينهي كلامه حت قان رئيس الوزراء متجها نحو المنصة ووقف أمام الميكروفون قائلا:اسمح لي أيها النقيب بتقبيل يدك!…
كنت أبحث عنك منذ عشرين عاما! فأنا ذلك الابن الذي ذكرت حكايته! الآن والدتي الحبيبة بين يدي الله, وكانت وصيتها الوحيدة لي أن ابحث عنك لاكافئك عما قمت به من عمل خير معنا عندما كنا نعيش في ظروف صعبة إنه ديفيد لويد جورج الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة(1916-1922) نتعلم من هذا المثل الرائع أن العمل عبادة, وكل من يبذل مجهودا أو يقوم بتضحية في سبيله, إنما يعبر عن روح البطولة الحقيقية التي تعتمد علي روح العطاء وليست موهبة الذكاء, كما أن الله العادل يكافئنا علي كل ما نقوم به في سبيل الغير بإخلاص وتفان, ويبارك الله في الشخص الذي يفعل هذا إذا يجب علينا ألا نعتبر وظيفتنا واجبا ثقيلا نؤديه مقابل ربح مادي أو أجر نحصل عليه في نهاية الشهر, ولكنها رسالة سامية من أجل خيرنا وخير الآخرين والمجتمع الذي تعيش فيه.
كما يجب علينا أن نتحلي بروح المبادرة والخدمة في سبيل الغير, وأن نعمل بإرادة التحدي والصمود لأنها تساعدنا علي اتمام واجباتنا مهما واجهتنا صعوبات وعراقيل ونتخذ لحياتنا هدفا ونسعي إلي تحقيقه بكل عزم وحزم, دون التخوف من الفشل ولا ننسي أن عادة التشكي أو التذمر تحبط عزيمتنا وتقتل فينا روح الحماس والتضحية وتكون النتيجة المحتومة هي الوقوع في الكسل والامتناع عن القيام بواجبنا إذا يجب علينا ألا نبخل بما منحنا إياه الله في سبيل خير الآخرين, كما يجب علينا أن ندخر عطايا الله لنا ونسعي لاستثمارها كل يوم ببذل الذات ونكران أنفسنا من أجل الصالح العام, فالواجب لا ينتهي طالما نحن علي قيد الحياة, وهذه سمة النفوس الكريمة والسامية لأنها تعتبر الواجب قبل كل شيء دائما أبدا فالإنسان صاحب الضمير الحي يشعر بالمسئولية تجاه الجميع ويقوم بواجبه أحسن قيام كما أنه لا يختلق الأعذار للتهرب منه أخيرا يجب علينا أن نشكر هؤلاء الأبطال الذين يقدمون حياتهم من أجل المرضي بكل تفان وصمود وإخلاص ونكران الذات طالبين من الله أن يباركهم عما يقومون به ونختم بالمثل الإنجليزي:من لا يريد حينما يستطيع لن يستطيع حينما يريد.