عنوان هذا المقال قد يكون صادما وهو بالفعل كذلك, فقد اعتدنا علي ترديد شعار وحدة عنصري الأمة منذ أن اشتعلت ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول رئيس حزب الوفد الذي كان من قياداته الرئيسية ثمانية أقباط: فخري عبدالنور, ويصا واصف, توفيق أندراوس, واصف بطرس غالي, بطرس غالي, سينوت حنا, جورج خياط, ومكرم عبيد.
وفي وظائف الوفد العليا كان ويصا واصف رئيسا لمجلس النواب, ومرقس حنا نقيب المحامين, ومكرم عبيد سكرتير عام الوفد, وفي إعداد دستور 1923 رفض الأقباط أن ينص الدستور علي حماية الأقليات الدينية.
وقد جاء هذا الرفض نتيجة تصريح الحكومة الإنجليزية في 28 فبراير 1922 بضرورة حماية الأقباط إذ في حينها أعلن ويصا واصف أن ليس في مصر عنصران إذ هم جميعا سواء علي غير تمييز بين أكثرية وأقلية.
ولكن مع نشأة جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 بدأ الوضع القائم المتميز بشعار وحدة عنصري الأمة الدخول في أزمة, والسؤال إذن: كيف حدثت الأزمة؟ حدثت مع طرد مكرم عبيد من حزب الوفد. وقيل في هذا الطرد سببان: السبب الأول إصدار مكرم عبيد كتابا في عام 1943 عنوان الكتاب الأسود موجها إلي صاحب الجلالة الملك فاروق والغاية من إصداره إنقاذ مصر من جرثومة الفساد التي أصابت جسم الأمة, وبالتالي أصبحت نذير خطر علي استقلال مصر, والسبب الثاني أن أحمد حسنين باشا الذي كان يسمي رائد الملك فاروق أراد الانتقام من حادث 4 فبراير 1942 الذي جاء بالوفد إلي الحكم بضغط من السفير البريطاني بالرغم من معارضة الملك.
وعندما تم اختيار فؤاد سراج الدين باشا رئيسا لحزب الوفد دفع به إلي الدخول في علاقة عضوية مع الإخوان المسلمين في زمن عمر التلمساني المرشد العام من أجل تكوين تحالف في انتخابات مجلس الشعب في عام 1984 ضد الحزب الوطني الديمقراطي, وبعد ذلك لم تعد السلطة العليا في قبضة الوفد بل في قبضة الإخوان, وإثر ذلك تواري الوفد وبقي الإخوان. وعندما قامت ثورة يوليو بقيادة الضباط الأحرار لم يكن من بينهم ضابط قبطي واحد.
والسؤال إذن: لماذا؟ جوابي يكمن في أنه لم يكن من الممكن أن يكون الأمر علي خلاف ذلك, لأن أغلب الضباط الأحرار كانوا من جماعة الإخوان المسلمين مثل كمال الدين حسين وحسين الشافعي وعبدالمنعم عبدالرؤوف ورشاد مهنا, بل حتي هذا الأمر لم يكن مفاجئا إذ كانت له مقدمات, ففي انتخابات عام 1938 كان هتاف طلبة الأزهر علي هذا النحو: صوت للنحاس- صوت ضد الإسلام, وقد جاء هذا الهتاف بتدعيم من شيخ الأزهر الشيخ المراغي الذي كان قد أعلن أن الحكومة القائمة في مصر بقيادة الوفد محكومة بأقلية دينية لابد من إنهائها, ثم أردف قائلا: إن الأقباط أقلية عنصرية والمسلمين من سلالة عربية.
وفي هذا السياق قيل إن قوانين الإصلاح الزراعي التي أصدرتها الثورة كانت الغاية منها الاستيلاء علي أراضي ملك قبط مصر من أجل توزيعها علي المسلمين, وكانوا في حينها يمتلكون خمس الأراضي الزراعية علي الرغم من أنهم كانوا يمثلون 6% من سكان مصر وكانوا يشغلون 45% من المناسب, وفي الستينيات والسبعينيات بدأت هجرة الأقباط إلي ثلاث دول, أمريكا وكندا وأستراليا, ومن ثم شاع مصطلح أقباط المهجر, في مقابل قبط مصر, إلا أن هذه الثنائية لم يعد لها مبرر بعد إزاحة حكم الإخوان المسلمين في عام 2013 ومطالبة جماهير 30 يونية بأن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر, وقد كان, إلا أن هذه الإزاحة لا تعني إزاحة فكر الإخوان إنما تعني فقط إزاحة سلطة الإخوان, أما إزاحة ذلك الفكر فهي مهمة النخبة.
فهل النخبة القائمة صالحة لممارسة هذه المهمة؟