تبلغ أعداد الأطباء المصريين 240 ألف طبيب وطبيبة ـ حسب إحصائيات نقابة الأطباء ـ يعمل داخل مصر نصف هذا العدد فقط، 120 ألف طبيب. وحتى كتابة هذه السطور تشير الإحصائيات إلى وفاة 19 طبيب وطبيبة وإصابة حوالي 350 منهم، ولا يوجد حصر للإصابات في التمريض.
في ظل شكواهم من غياب تحليل المسحات المنتظم لهم، قد تكون الإصابات أعلى، وهو ما يساهم في مزيد من نشر الوباء الذي سيصل إلى كل منا في دوره. لكن الخطورة الأكبر على الطواقم الطبية لأنها تمثل الصف الأمامي في المواجهة مع الوباء, فهم القابضون على الجمر، مهددون ومعهم أسرهم، لذلك يجب توفير سبل حماية قوية، وإلا تحولت الطواقم الطبية ذاتها إلى ناشر للعدوى، لكن يبدو أن حالة الارتباك عابرة الحدود والحكومات لا تنتهي؟ وفي و طننا يضاف إليها سوء الإدارة والروتين، والاستقطاب والتخوين، لإجبار الأطباء على الصمت وعدم المطالبة بحقوقهم في الحماية والرعاية، كلها أمور تضاعف من خطورة الجائحة.
إن مهمة الأطباء وطواقم التمريض ليست مهمة أمنية ولا إدارية، انها مهمة إنسانية لذلك العمل في أجواء الخوف والرعب بسبب انعدام الحماية، قد ينتج عنه ازمات كبرى، لن يضبطها إيقاع أمني.
بدت بوادر الأزمة أول أمس حينما استقال أحد الأطباء احتجاجاً على رحيل زميل له على اثر اصابته بكورونا، وعدم توفر المسجات الدورية للكشف عليه أو سرير عناية مركزة سريع له، وبالرغم من الانسحاب حتى الان هي مجرد حالة فردية، إلا أن ذلك لا يمنع الإقرار بأن الخوف شعور طبيعي قد يصيب أي شخص، فما بالنا إذا كان الناس يواجهون المجهول.
أما الأزمة الأكبر كانت استغلال الواقعة للانقلاب على الطواقم الطبية، واستفزازها، في حالة من الاستقطاب الفج، التي صاحبت أجواء الاستقالة، هذا الاستقطاب الذي لا يصلح في أزمنة الأوبئة والذي يقسم المجتمع بين جبان وبطل أو خائن ووطني. تلك الأجواء لا تناسب التضامن المنشود في مجتمع على اعتاب كارثة وبائية تستحق التخلي عن ما هو سياسي لصالح ما هو وطني وإنساني. فبدلاً من قذف الأطباء بالاتهامات، علينا تشجيعهم وطمأنتهم، لدعم ثباتهم إلى منتهى الأزمة. لكن العجيب أن البعض مازال يزايد على الأطباء ومطالبهم رغم صدور قرار وزيرة الصحة الدكتور هالة زايد، بالاستجابة للأطباء وتخصيص دور في كل مستشفى لعزل الطواقم الطبية المصابة!
وإذا اضفنا إلى كل ما سبق من تقصير في حق الطواقم الطبية، ما حدث في مستشفى منشية البكري، بالقاهرة، الأسبوع الماضي، نجد ما ينبئ بكارثة وسوء إدارة فج. فبعد ظهور حالات إصابة بين العاملين في المستشفى، تم قرار تحويله لمستشفي عزل. وجن جنون العاملين, وأصدر طاقم العمل بالمستشفى بيانات للمطالبة بتأمين الحماية اللازمة لطاقم العمل قبل التحويل، خاصة بعد ظهور إصابات بفيروس كورونا، وهو اجراء ـ من المفترض ـ أنه تلقائي، لكنه لم يتم حينها، بالرغم من ثبوت إصابة 16 بين 20 هم أصل من تمت لهم عينة المسح في المستشفى، وهو ما يعني أنه أصبح كل زميل لمصاب هو مخالط له، وتزايدت أعداد الحالات الإيجابية، فكيف يتم العزل؟.
كانت مطالب العاملين أهمها عمل مسحات لجميع العاملين بالمستشفى قبل تحويلها لمستشفى عزل أو السماح للفريق الطبي الحالي بالعزل المنزلي لمدة 14 يوماً، وتوفير فريق طبي بديل مؤقت للعمل بالمستشفى. فماذا كانت تنتظر وزارة الصحة لتحافظ على أرواح الطواقم الطبية، التي قد نصحو يوماً لنجدهم إما معزولين وإما داخل أكياس دفن الموتى، أو فارين خارج المهنة تماماً أو حتى خارج البلاد حينما تسنح الفرصة. ألم تسمع الوزارة عن عرض ترامب باستقبال الاطباء من كل الدول, برواتب مغرية, وتأشيرات عمل جاهزة.
وإضافة إلى ذلك ما حدث في مستشفى حميات إمبابة، التي اعتدى فيها المواطنون على الطاقم الطبي لعدم توفر مسحات سريعة وعدم توفر اماكن في مستشفيات العزل، بالرغم من أن هذا هو حال كل بلدان العالم، لكن لم يحم ذلك الطاقم الطبي من رعب المرضى وذويهم فحولهم إلى آلات همجية تعصف بالخط الأمامي الذي لا يمكنه سوى التنفيذ وليس بيده القرار.
مصر مازالت على أعتاب ذروة الوباء، وقد تحمل الأرقام قفزات متتالية مثلما حدث الأسبوع الماضي، وبعد قرار الحكومة بفتح المجتمع، وعودة الحياة لطبيعتها، لم يتبق أمامنا لوقف تلك القفزات إلا السلوك الرشيد للناس، وكل مسئول عن نفسه، لكن شريطة أن يكون مصحوباً برعاية طبية عاجلة بعيدة عن كيد الروتين، والذي يمكن أن يحولنا إلي إيطاليا وأسبانيا من حيث آثار الجائحة، بعد أن كنا نخشو أن يحولنا الإرهاب إلى سوريا وليبيا. الوباء كالإرهاب تماما عدو خفي يضرب، لكنه لا يهرب ولا يختفي، عدو يحيط بنا ولا نراه، يسلبنا أحبتنا ولا نملك إلا انتظار الدور. وفي ظل اختفاء العقاقير الطبية المعالجة لكوفيد 19 من الصيدليات، قد يموت الناس حتى بلا تشخيص.
إن الاحتياج ملح لضم أكبر اعداد من الأطباء، حتى أن الرئيس السيسي اصدر قراراً بالنظر في اعادة الذين احيلوا من الأطباء إلى سن المعاش منذ عامين، في ظل الاحتياج، ينبغي أن ندرك أن أولئك الذين وضعتهم المحنة على مسافة غير آمنة من القبور، لديهم عائلات يعودون إليها، وأطفال قد يعودون إليهم حاملين كورونا بدلاً من الحلوى. يا سادة، هذا عمل لابد أن يتسم بالرضا والطمأنينة، فكلنا مهددون، وكما تقول الدكتورة منى مينا: ”الدول التي لا تدفع فاتورة الصحة، تدفع فاتورة أكبر للمرض، والدول التي لا تدفع فاتورة التعليم تدفع فاتورة أفدح للجهل، والدول التي لا تدفع فاتورة للبحث العلمي تدفع ثمن التخلف من مستقبلها ومستقبل أبنائها” لذلك إن لم تتمكن الدولة من توفير الطمأنينة ، وإن لم نتضامن مع أطباء مصر سيكون الكل خاسر