تحتفل الكنيسة بتذكار عيد الصعود المجيد، وهو أن الرب يسوع بعد قيامته قضى أربعين يوماً بجسد قيامته على الأرض فيها كان يظهر لتلاميذه مرات عديدة ليؤكد لهم حقيقة قيامته وغلبته على الموت، ليثبت إيمانهم في شخصه ويشرح لهم من الكتب المقدسة كل ما كتب عنه فيها، ويسلمهم كل الأمور المختصة بملكوت السموات وخدمة الكنيسة.
” الذين اراهم نفسه حيا ببراهين كثيرة بعد ما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت السموات” (اع1: 3) وفيها أيضا اعطاهم سلطان الكهنوت عندما نفخ في وجوههم وقت ظهوره لهم في العلية بعد القيامة وقال لهم : “اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر ومن امسكتم خطاياه امسكت” ( يو20: 23 ) وأوصاهم ان يكرزوا باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم ( لو24: 47 )
وبعد أربعون يوماً من قيامة الرب، أخذ الرب يسوع تلاميذه إلى بيت عنيا في جبل الزيتون وهناك رفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد إلى السماء ( لو24: 50-51 ).
ويذكر انجيل معلمنا يوحنا البشير أن الرب يسوع تكلم مع تلاميذه في حديثه الوداعي الأخير، قبل آلامه وصابه عن انطلاقه إلى السماء، إذ قال لهم : “لا تضطرب قلوبكم. انتم تؤمنون بالله فآمنوا بي، في بيت أبي منازل كثيرة والا فاني كنت قد قلت لكم، أنا أمضي لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت واعددت لكم مكاناً أتي ايضا واخذكم الي حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا” ( يو 14: 1- 3 ) ولكن التلاميذ لم يفهموا حديث الرب في ذلك الوقت، أما عند انطلاقه إلى السماء بعد أن باركهم يوم الصعود فيذكر الكتاب انهم “سجدوا له ورجعوا إلى اورشليم بفرح عظيم” ( لو24: 52 ). فماذا كان سر فرح التلاميذ يوم الصعود ؟
لاشك انهم تذكروا كلماته عن المكان الذي سيذهب ليعده لهم. كما يذكر الكتاب ان التلاميذ قد تلقوا بشرى مفرحة يوم صعود الرب بمجيئه مرة اخرى “وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق اذ رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض وقالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الي السماء سياتي هكذا كما رايتموه منطلقا الي السماء” (اع1: 10- 11)
من هذه الاعلانات الكثيرة تؤمن كنيستنا القبطية ان الرب يسوع له مجيئين فقط إلى العالم، مجيئه الاول كطفل مولود في المزود لأجل خلاص العالم، ومجيئه الثاني يوم مجيئه مرة أخرى على السحاب في انتهاء العالم. ورغم أن شخص الرب يسوع واحد إلا أن المجيئان مختلفان، ويذكر الكتاب أنه سيقوم انبياء كذبه ويضلوا الشعب عن مجيء الرب الثاني وعن ذلك تحدث الرب يسوع مع تلاميذه عن علامات مجيئه الثاني وحذرهم “حينئذ إن قال لكم احد هوذا المسيح هنا أو هوذا هناك فلا تصدقوا” ( مر13: 21 ).. فما هي علامات مجيء الرب الثاني وكيف نعرفه؟ هذا هو ما تحدث عنه الرب يسوع نفسه مع تلاميذه مرات كثيرة.
• جاء الرب يسوع في مجيئه الأول مولوداً في المزود باتضاع أما في مجيئه الثاني فسيأتي في مجده السماوي وسط ملائكته، وعن هذا قال الرب يسوع “فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته” (مت16: 27 ).
• في مجيء الرب الأول كان في قرية بيت لحم ونظره اشخاص قليلون بعض رعاة الغنم وعدد من رجال المشرق مقدمين هداياهم، أما مجيء الرب يسوع الثاني فسيكون علانية، فسيستعلن من السماء آتياً على السحاب، و تنظره كل عين فيفرح المستعدين. ويبكي كل الذين لم يؤمنوا به. كما كتب معلمنا يوحنا البشير في سفر الرؤيا”هوذا يأتي على السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الارض” ( رؤ1: 7 ).
• في مجيء الرب الأول جاء بحسب النبوات مولودا في بيت لحم اليهودية. وفي مجيئه الثاني سيأتي من المشارق على سحب السماء. لذلك كل التنبؤات والاحاديث التي تقول ان المسيح قد أتى في المكان (الفلاني) هي أحاديث كاذبة، لاننا نعلم ان مجيئه سيكون غير مخفي بل علانية علي السحب كوعد الملائكة لرسله الاطهار يوم الصعود.
• مجيء الرب الأول كان شبه معلوماً بالنبوات والعلامات، فهكذا كان اليهود ينتظرونه، أما مجيء الرب الثاني فغير معروف موعده بالتحديد عن هذا تكلم الرب يسوع قائلاً: ” اما هذا اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما احد و لا الملائكة الذين في السماء” (مت 11: 27 )، وعن هذا كتب معلمنا بولس “لانكم انتم تعلمون بالتحقيق ان يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء” (1 تس5: 2 )
• في مجيء الرب يسوع الأول جاء لكي يعلم ويصنع معجزات ويقدم ذاته ذبيحة عن خلاص العالم كله, قائلا عن نفسه:”لم أتي لأدين العالم بل لأخلص العالم” (يو12: 47 ), اما عنمجيئه الثاني فقال ” متي جاء ابن الانسان في مجده و جميعالملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس علي كرسيمجده..فيميز بعضهم من بعض.. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره” (مت 25: 31 ) فهو مجيء للدينونة والجزاء.
لذلك ففي كل مرة نستمع لأحاديث أو نبوات أو تعاليم عن مجيء الرب لنراجع الأمور في ضوء تعاليم كنيستنا، فكثيرين يؤمنون بمجيئين للرب بعد صعوده، وكثيرون يحددون مواعيد محددة لمجيئه كشهود يهوة والادفنتست، لكنها جميعا توقعات غير صحيحة بحسب تعليم الكنيسة.
ورغم أننا لا نعلم يوم مجيء الرب بالتحديد لكننا نعلم اننا يوما ما سنغادر هذا العالم لنقف أمام عرشه الإلهي لذلك يجب أن نكون دائما مستعدين للوقوف أمام مجده, ولنجتهد ان نكون مستحقين للمكان الذي اعده لنا في السماء، ذلك ان احتفظنا بقلوبنا نقية وايماننا صحيح..
عيد صعود مجيد ننتظر معه الرب و نتوقع مجيئه كل يوم.