فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم, لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لوقا 23: 34).
نستطيع أن نردد مثل هذا الكلام للذين يشوهون صورتنا زورا, للأسف هناك الكثير من الناس الذين يشوهون صورتنا ويسيئون لسمعتنا, ومن المحتمل أن يكونوا من المقربين لنا أو أصدقائنا, فلا نتأثر بهم, بل نعمل وقفة مع الذات, فإذا كانت هذه الاتهامات صادقة, نبادر إلي إصلاح أنفسنا حتي نتجنب كلامهم اللاذع ونظرتهم السلبية لنا والشماتة التي بداخلهم لتشويه سيرتنا, لكن إذا كانت كذبا وافتراء, فلا نضرب ولا نقلق! لأن قيمتنا ليست في أفواه الناس, بل في سلوكنا وشهادة ضميرنا أمام الله, ويجب علينا أن نطلب لهم المغفرة من الله لتطاولهم علينا قائلين: يا الله اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يقولون, ومن ثم نصل إلي حالة تسمو بنا فوق كلامهم وتصرفاتهم, وهناك نتذكر ما حدث مع خطيب اليونان الشهير ديموستين الذي تطاول عليه أحد الأشخاص بالشتيمة, فنظر إليه مبتسما ثم قال: يا صاحبي, أنا لا أسابق في ميدان, الغالب فيه أشر من المغلوب فالذي يتسلح بالإهانات والسباب لينتظر علي الآخرين, إنما يدل علي فساد أخلاقه وسوء تربيته, ولكن الشخص المهذب صاحب الأخلاق السامية, لا يرد الإهانة بمثلها, ليس لعجز منه أو خوف من المعتدي, ولكن لرحابة صدره وحسن سلوكه.
هنا نستطيع أن نكتشف معادن الناس ومعرفة أخلاقهم وتربيتهم, لأن المهذب يلزم الصمت أمام من يتطاول عليه بالكلام, فالأخلاق الحسنة والسيرة الطيبة هما حصيلة تربية الأسرة, لأنها تبدأ مع الوالدين اللذين يزرعان في أبنائهما كل ما هو جميل وحميد, فتصبح هذه الأخلاق مغروسة في النفس, وتزداد تأصلا, ويظل أثرها مدي الحياة, وخاصة إذا كانت أقوال ونصائح الآباء مصحوبة بالأعمال الطيبة والمثل الصالح, وهناك اعتقاد خاطئ من بعض الآباء الذين يعتبرون المدرسة هي المسئولة الوحيدة عن تربية أبنائهم, حتي أنهم يهملون العناية بهم صغارا, وتصبح النتيجة صادمة فيما بعد, حتي أنهم يشتكون من سلوكهم المشين عندما يكبرون, فالبيت إذا هو التربة الأولي التي يمتص منها الأبناء كل عناصر الأخلاق والسلوك والطباع سواء كانت جيدة أم سيئة, لذلك عندما يهيننا السخص الخالي من الأخلاق والأدب, فعذره معه ولكن الإنسان المهذب والخلوق إذا حاول الرد عليه, فما هو حذره؟ لأنه بهذا التصرف انحدر إلي مستوي من يسب ويشتم ويهين الآخرين, فكان بالأحري أن يرتفع به إلي مستوي التربية والأخلاق, كما يجب علينا ألا نضطرب من الشخص الذي يهين الغير,لأن من صفاته الجبن والكذب والزهو والمباهاة والغش والخداع, لدرجة أنه يفضل اعتبار الناس علي رضي الله, ومثل هذا, بحاجة إلي الشفقة والعطف, لا إلي توجيه التهم له والحكم عليه, فالإنسان الذي يرفض اكتساب الفضيلة والأخلاق الحسنة, لديه سلاح واحد وهو ذم أهل الفضل والسخرية منهم وتوجيه الاتهامات لهم لتشويه سمعتهم ويدعو الناس لفقدان الثقة فيهم, علي أمل أن يتراجعوا عن كل ما هو حسن ويصيروا مثله, وهنا سيجد العزاء والمبررات لما يقوم به من شر, وكل من يفعل هذا يشبه الحية التي لا تستطيع أن تحتفظ بسمها, وشرها, فتلدغ من تصادفه وتقتله بسمها, وهدفه الأساسي هو زرع الخصام والأحقاد والتفرقة بين الناس, وكما يقول الشاعر في أمثال هؤلاء: إن يعلموا الخير أخفوه, وإن علموا شرا أذاعوا, وإن لم يعلموا كذبوا إذا يجب ألا نبالي بكلام الحاقدين وناكري الجميل, لأنهم حتي وإن قاموا بمدحنا, سيكون حسب أهوائهم الشخصية وفسادهم وشرهم وعدم معرفتهم بحقيقتنا, فالمدح الصادق البناء والذي يساعدنا علي التقدم والنجاح, يأتي من النفوس الشريفة ذات الأخلاف الحميدة, لأنها تمدحنا لخير أتيناه حقا, أو بهدف تشجيعنا لممارسة الخير والفضيلة والاستمرار في سلوكنا المهذب, كما يجب أن نعلم جيدا بأن الحاقدين إذا قاموا بذمنا, فسيسكون ذمهم شهادة حق وإثبات في أننا لا نسلك حسب تفكيرهم ولا نسير علي هواهم ولا نتصرف مثلهم, فالإنسان الصادق الذي يتبع وصايا الله لا يتأثر بكلام الناس أو سخطهم, لأن هدفه الأول هو أن يرضي ربه وضميره, كما أن الأشخاص ذوي الأخلاف الحميدة, بمثابة آنية للحكمة, وشجرة خبرة لذيذة الثمر, وفي معرفتهم شعلة للذهن وثروة للعقل, وكلامهم نوريبدد الظلام علي دروبنا, وسلوكهم عبر ومواعظ لحياتنا, ونختم بالقول المأثور صحبتكم فازددت نورا وبهجة ومن يصحب الطيب العطر يعبق.