عندما نسأل ربنا يسوع المسيح: كم تلميذا اخترت؟ يقول: اخترت اثني عشر, نسأله: هل الاثنا عشر تلميذا كلهم جيدون؟ بالطبع نعم, فكلهم مختارون, ولكن ما الذي حدث في النهاية؟
يجيب: ربعهم وقع في أخطاء كبيرة: فواحد أنكرني, وثان شك في, وثالث خانني, بمعني أنه بنسبة 25% أخطأوا, ولكن هذا هو الضعف البشري, ونسأله: ماذا فعلت مع من أنكرك؟
إن من أنكر المسيح, كان يجب أن تكون عقوبته القطع التام, وإذا أضفنا إلي ذلك أنه تلميذ من تلاميذ المسيح, كان يجب أن يقطع تماما من الشركة, ولكن مسيحنا الحلو بقلبه المتسع, وبعد القيامة, وبعد أن رجع بطرس إلي صيد السمك. يظهر له المسيح خصيصا, ويصنع معجزة صيد سمك آخر بعد القيامة, معجزة صيد الـ153 سمكة, وهنا يسأل المسيح بطرس: أتحبني يا بطرس؟, وكأنه يقول له إن قلبك قد ضاق يا بطرس, فاجعل قلبك واسعا. فيجيب بطرس: نعم يارب إني أحبك, ويتكرر هذا السؤال مرة واثنتين وثلاثة: يا سمعان بن يونا, أتحبني أكثر من هؤلاء؟ قال له: نعم يارب أنت تعلم أني أحبك. قال له: ارع خرافي. قال له أيضا ثانية: يا سمعان بن يونا, أتحبني؟ قال له: نعم يارب, أنت تعلم أني أحبك. قال له ارع غنمي. قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا, أتحبني؟ (يو21:15-17).
وفي النهاية, نجد أن محبة المسيح, قد وسعت قلب بطرس فيقول: يارب, أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك (يو21:17), فاطمأن المسيح وقال له: ارع غنمي (يو21:17), واكرز في العالم. وانتهت حياته بأن أصبح شهيدا عظيما صلب منكسا, وسيظل اسم القديس بطرس الرسول يتردد بين المؤمنين, ولكن ما الذي حدث؟! إن محبة المسيح هي التي ساعدت علي اتساع قلب بطرس الذي أنكر المسيح, وليست هذه بالخطية البسيطة, مثل التي نسمع عنها في الوصايا العشر, ولكنه أنكر المسيح وهو تلميذه.. هذا هو اتساع القلب.
وتلميذه توما قد شك في قيامته, والمسيح بقلبه المتسع, ظهر من أجله خصيصا, ثم قال لتوما: هات إصبعك إلي هنا وأبصر يدي, وهات يدك وضعها في جنبي, ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا (يو20:27). ويصرخ توما باتساع قلب المسيح, ويقول صرخة الإيمان: ربي وإلهي! (يو20:28).
أما يهوذا الخائن: فكان المسيح لآخر وقت ينبهه.. ويلفت نظره.. ويعطي له فرصة لكي يتوب! ولكنه أصر علي خطيئته, وسلم ابن الإنسان بقبلة: فقال له يسوع: يا يهوذا, أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟ (لو22:48), واستخدم علامة الحب في خيانة معلمه وسيده.
خامسا: قصة الابن الضال
في هذا المثل, نجد بيتا فيه: أب, وابن كبير وابن صغير, وكلنا نعلم ماذا فعل الابن الصغير, الذي نسميه الابن الضال, فقد تاه.. وابتعد.. وأخطأ.. وعمل كل ما هو سيء جدا..
أما أخوه فقد اتهمه أنه قد جعل معيشته مع الزواني: ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني (لو15:30) أي أنه قد وصل إلي أسوأ الخطايا, فأرجوك أن تتخيل معي مشاعر هذا الأب!
فهكذا يجب أن تكون الأبوة في كنيستنا, لقد كان الأب كل يوم ينتظر ابنه الصغير, حتي كلت عيناه من الدموع! وعندما رآه في أحد الأيام قادما من بعيد, فكأن الحياة قد دبت في قلبه مرة أخري! قام وأخذه في حضنه, واتساع حضنه كان كاتساع قلبه, لقد كان عائدا من معيشته مع الخنازير, فرائحته كريهة! وشكله سيء, وصحته متأخرة, وملابسه مقطعة. ولكن الأب لم يأنف من هذه الصورة, التي عاد عليها ابنه, ويقول الابن هذه العبارة الخالدة: أخطأت إلي السماء وقدامك, ولست مستحقا بعد أن أدعي لك ابنا (لو15:18). وعندما أراد الابن أن يكمل اجعلني كأحد أجراك (لو15:19), أوقفه أبوه, وهنا تظهر الأبوة والمحبة الحقيقية, فباب التوبة مفتوح ولا يغلق.
هذا هو اتساع القلب, وهنا أمر الأب أن يحضروا له الحلة الأولي والحذاء والخاتم. فقال الأب لعبيده: أخرجوا الحلة الأولي وألبسوه, واجعلوا خاتما في يده, وحذاء في رجليه, وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح (لو15:22-23). وذبح له العجل المسمن. إن هذا العجل كان يعد من أجل زواج الابن الكبير, فكسر التقليد الاجتماعي الذي كان معمولا به في ذلك الزمان!! وفوق كل هذا أخذه في حضنه, وهي علامة منظورة تدل علي القلب الواسع.
وهكذا الأبوة في كنيستنا, فلا يستطيع أحد أن يحمل لقب أب ويغلق أحشاءه, فما دام حمل لقب أب بالجسد أو بالروح, عليه أن يفتح أحشاءه علي الدوام, ويتسع قلبه لكل أحد.
وكنيستنا تأخذ قصة هذا المثل, وتعلمها لنا في بدايات الصوم الكبير من كل عام, لكي ما نفهم أننا نصوم حتي يتسع قلبنا, فأنت تمارس عبادتك حتي يتسع قلبك, وتكون في علاقة مع مسيحك, لكي ما يتسع قلبك.
سادسا: مثل الحنطة والزوان
الأرض مزروعة حنطة (قمح), والزوان شكله يشبه شكل القمح, ولكنه نبات سام, فمن كان يعمل في الحقل جاء وسأل صاحب الحقل: هل أقوم بخلع الزوان؟ أجاب لا, دعهما ينميان معا: دعوهما ينميان كلاهما معا إلي الحصاد (مت13:30).
وهكذا القلب الواسع, وفي وقت الحصاد يأتي الحصادون ويميزون بين الحنطة والزوان, فالزوان يحرق بالنار, والحنطة تؤخذ كطعام: وفي وقت الحصاد أقول للحصادين: اجمعوا أولا الزوان واحزموه حزما ليحرق, وأما الحنطة فاجمعوها إلي مخزني (مت13:30), فمن صفات القلب المتسع أنه طويل البال.
سابعا: علي الصليب
تعال أنقلك معي إلي يوم الصلب, فنجد ربنا يسوع معلقا علي الصليب, وأمامه أناس تشتم وتصيح وتصرخ اصلبه اصلبه. وعلي جانبيه لصان: واحد علي يمينه, والآخر علي يساره وأمامه من علي بعد أمه العذراء مريم تبكي..
وعليك أن تتخيل الجو المشحون في هذه الساعة: الجنود الرومان, والكهنة والشعب يصيحون: اصلبه اصلبه, والمسيح وهو معلق علي الصليب يقول: يا أبتاه اغفر لهم, لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو23:34).. ما هذا القلب الواسع ياربي يسوع!
ونجد في باقي المشهد ما يلي, اللص الشمال يعير المسيح قائلا: إن كنت أنت المسيح, فخلص نفسك وإيانا (لو23:39), أما اللص اليمين فنجده يقول: اذكرني يارب متي جئت في ملكوتك (لو23:42), وبالطبع لم يقل هذه الكلمات في جو هادئ, بل قالها في جو كله صخب وضوضاء وصراخ..
وهنا يجيبه المسيح قائلا: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس (لو23:43), ما هذا يا يسوع؟! وما هذا القلب المتسع؟!
وفي وسط كل هذه الأحداث المؤلمة, لم ينس أمه العذراء مريم, فنظر إليها ووجدها تبكي, فقال لها وهو يشير إلي تلميذه يوحنا: يا امرأة, هوذا ابنك (يو19:26), ثم قال ليوحنا: هوذا أمك (يو19:27). هذه مجرد مشاهد من الكتاب المقدس عن القلب المتسع.