ونجد رسالة القديس يوحنا المعمدان كان لها دور تعليمي في الإرشاد, فقد كان يعد للرب شعبا مستعدا لقبول الإيمان.
أما عن التربية أو التعليم فالكتاب يعلمنا أن نربي أبناءنا: وأنتم أيها الآباء, لا تغيظوا أولادكم. بل ربوهم بتأديب الرب وإنذره (أف 6:4)
كان تعبير التربية المسيحية يعني نوال معرفة عمقية ترتقي فوق المعرفة العقلية الشعورية والعلمية, بل هي معرفة اختبارية لـ استعلان الحق, كما عبر عنها الكتاب المقدس وعقيدة الكنيسة, وفي الوقت عينه كانت التربية المسيحية تعني أيضا التدريب والحياة الأخلاقية بحسب القوانين والوصايا المسيحية.
وجدت الكنيسة الأولي أن معظم الذين يريدون قبول الإيمان كانوا من أسر وعائلات وثنية, وبالتالي لم يكونوا قد تلقوا تعليما مسيحيا أوليا ولا كانت لهم معرفة بالإيمان الجديد, وكي تعالج الكنيسة ذلك, أخذت علي عاتقها مهمة تعليمهم قبل معموديتهم, وكان ذلك التعليم المنهجي ـ وهو مرحلة إعداد للمعمودية يسمي وعظ وأثناء فترة الوعظ, كان الشخص يتعلم الأوليات البسيطة في الإيمان والأخلاقيات المسيحية (تهيئة وإعداد).
وفيما بعد, في القرن الرابع, كان الموعوظ يعطي شرحا للأسرار المسيحية العميقة, كما يتضح في العظة الرابعة من عظات القديس كيرلس الأورشليمي للموعوظين. وكان لابد أن طالب المعمودية يقدمه أحد المؤمنين يسمي إشبين, ولابد أن يختبره المعلمون المسئولون عن الموعوظين لكي يتأكدوا من أن الدوافع التي قادته للكنيسة والإيمان المسيحي دوافع روحية خالصة. والإشبين الذي يزكي الموعوظ للمعمودية, كان يلعب دورا هاما للغاية أثناء تلقي الموعوظ للتعليم, بل وأيضا بعد معموديته.
بجانب مدارس الموعوظين, كانت هناك أيضا مدارس تعليمية, وهذه كانت مؤسسات تقدم مستوي متقدما من التعليم اللاهوتي المسيحي ومن التعليم الكلاسيكي أيضا (علوم أخري: مثل العلوم, الرياضيات, وعلم الاجتماع…. إلخ).
وعن المشورة يقول مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة: المستشيرون هم سادتنا, وراحتهم أهم بكثير من تعبنا.. نتعب نحن, لكي يرتاحوا هم, وإذا ارتحنا لتعبوا هم. المشورة هي الرأي والنصيحة, والمشير هو من يبدي الرأي والنصيحة, فهي عملية تأثير متبادل, تتم في جو من الأمان والتدعيم, والتي يحاول فيها المرشد (المشير) أن يساعد شخصا آخر يدعي المسترشد (المستشير) في استيضاح أفكاره, مشاعره, دوافعه أو الخلل في علاقاته, بغرض اكتشاف أفضل السبل (الاستراتيجيات) للتحكم في حياته وإدارتها.
دخل علم المشورة المسيحية ضمن علم اللاهوت الرعوي, وهو علم يتعامل مع الإنسان جسدا ونفسا وروحا في حالات اليأس والاكتئاب والشعور بالذنب, بمسعدة الكتاب المقدس وعلم النفس التطبيقي والسلوكي.
ومن خلال المشورة والمعرفة, يستقيم الفكر, وبإرشاد الروح القدس ومشوراته يمكن للإنسان أن يكون مشيرا.
إن استخدام الكنيسة لهذه المفاهيم, يمكن أن يساعدها علي تقديم الطبيب الحقيقي الرب يسوع إلي أبنائها.
2 ـ بضبط العقل:
الأمر الثالث في بناء العقل هو ضبط العقل, وذلك بالحكمة والتلمذة, وعن الحكمة يقول سليمان الحكيم: الحكيم عيناه في رأسه أما الجاهل فيسلك في الظلام (جا 2:14).
لقد وردت كلمة الحكمة في الكتاب المقدس أكثر من 300 مرة في العهد القديم, أكثر من نصفها في أسفار أيوب والأمثال والجامعة, فهي نور داخلي ينير العقل والقلب, كما أنها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم.
كذلك التعلم من من هم أكبر منا, ومن مدرسة الحياة, ومن التاريخ, فنحن نقرأ السنكسار في القداس والسنكسار ليس كتاب تاريخ فحسب, ولكنه كتاب تعليمي, لكي نتعلم ممن سبقونا, وهناك مقولة جميلة تقول: التاريخ هو الحياة.
فمثلا… في يوم مسري, يحكي السنكسار قصة عن شخص مسيحي فقير كان يشعر بالضيق, فتحدث إلي أحد أصدقائه, في كيف أن المسيحيين فقراد بينما اليهود أغنياء!.
وقرر أن يذهب إلي شخص يهودي لطلب المساعدة, وبالفعل ذهب إليه, وطلب منه بعض المال, فاعتذر اليهودي قائلا إنه لا يستطيع أن يعطي له المال, لأنه مختلف عنه في ديانته, وبعد المناقشة قال له اليهودي: من الممكن أن أعطي لك المال بشرط وهو أن تقوم بطعن الصليب.
وبالفعل قام اليهودي بصنع صليب من الخشب, وأحضر له حربة, وطلب منه أن يقوم بطعن الصليب وهو يقول: أطعنك أيها المسيح وللأسف ظن المسيحي أن هذا مجرد تمثيل!
وقام بهذا العمل المشين, وطعن الخشبة, ولكنه فوجئ أن الخشبة تنسكب منها الدماء ومات بعدها المسيحي! وهذه القصة حدثت في أيام البابا ثاؤفيلس البطريرك الـ 23, وها نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين, ونقرأ هذه القصة ونتعلم منها…
الخلاصة أيها الأحباء نجدها في مثل العذاري الحكيمات والجاهلات….
الحكيمات كن يتمتعن بالعقل المنفتح والاستعداد وتقدير قيمة الوقت, أما الجاهلات فكن ذوات عقل ضيق ولذلك جئن أمام المسيح وطرقن الباب قائلات: ربنا افتح لنا, فقال لهن: إني لا أعرفعكن (مت 25). وكانت نهاية مؤلمة, وبسبب تفكيرهن المحدود والضيق فقدن الوجود والنصيب السماوي.
هو تزوج بـ هي وبعد سنين قليلة طلب هو من هي أن تعمل له سمك مقلي, وبالفعل أحضرت السمك ثم قامت بتقطيع السمكة من الذيل والرأس, وتركت الجزء الذي في الوسط فقط.
فسألها هو: لماذا قمتي بتقطيع السمك هكذا؟! أجابت: ماما كانت تفعل هذا, فسأل الأم لماذا كنت تفعلين ذلك في السمك؟! فقالت أمي كانت تفعل هذا, فسأل الجدة لماذا كنت تفعلين هذا؟! فقالت لأن جدك كان قد أحضر لنا صينية صغيرة لا تسع السمكة فكنت أقوم بتقطيعها هكذا!!
وهذا هو العقل الضيق, فنحتاج يا إخوتي الأحباء أن يكون لنا العقل المنفتح.
ليعطنا مسيحنا أن نقول مع داود النبي:
لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يارب, صخرتي ووليي
(مز 19:14)