طرق بناء العقل المنفتح
1- بالقراءة والمعرفة:
لا تنس الوصية الإلهية التي تقول: طوبي للذي يقرأ (رؤ1:3), فالإنسان البعيد عن القراءة, يكون عقله فارغا.
إن القراءة لها تأثير كبير علي حياة الإنسان وشخصيته, فهي تغرس في الإنسان مبادئ وقيما عديدة, وتنمي العقل, فعقل الإنسان بلاشك إذا اعتاد علي القراءة توسعت آفاقه وتفتحت مداركه, بينما الإنسان الذي لا يقرأ عقله متبلد, ومداركه مقفلة محصورة بوجهة نظر معينة أو معلومة خاطئة غير صحيحة, وبالتالي فإن القراءة هي وسيلة لإنعاش العقل وتجديده باستمرار, وعلي الإنسان أن يحرص علي أن يبقي عقله بابا مفتوحا دائما لقراءة كل ما هو جديد من المعلومات والأفكار, ومن ثم تحليلها وغربلتها لكي تنضج عنده الفكرة والمعلومة الصحيحة.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: عندما تغرق عقلك وقلبك في الكتب الروحية, تكون دوما ممتلئا, لأن القراءة الروحية تعطيك الثبات في الله.
أما القديس إسحق السرياني يقول: اقرأ عن التدبير الإلهي, وتشبع من كتب معلمي الكنيسة, لأنها تقود الفكر إلي تمييز الترتيب في خلائق الله وأعماله, وتعطيه القوة. وببراعتها تهيئه لاكتساب البديهة المنيرة, وتقوده في الطهارة نحو فهم خليقة الله.
اقرأ أيضا الأناجيل التي عينها الله لمعرفة العالم بأكمله, حتي تجد المؤن لرحلتك بقوة تدبير الله لكل جيل, حتي أن عقلك يغوص بعمق في التأمل بالله.
هذه القراءة تعزز هدفك: فلتكن قراءتك في هدوء لا يعكره شيء, القراءة تساعد النفس عند وقوفها للصلاة.. من القراءة تستنير النفس في الصلاة.. من دون الدخول في التجارب, لا يستطيع أي إنسان أن يكتسب حكمة الروح القدس, ومن دون المواظبة علي القراءة, لن يلقي أي تهذيب لأفكاره..
عندما تكون نفسك محاطة بظلام دامس وخالية من التعزية الروحية ونور النعمة بسبب غمامة الأهواء التي تخيم عليها, وفوق هذا تتقلص القوة المفرحة في نفسك لبعض الوقت, ويطغي علي فكرك ضباب لا ترغب فيه, عندها لا يضطرب عقلك, ولا تمد يدك إلي القنوط, لكن كن صبورا, وبادر إلي قراءة كتب معلمي الكنيسة, وأخضع نفسك للصلاة, وتوقع أن تتلقي المعونة.
إن القراءة تبعدالفكر عن التوافه, فالمرء الذي لا يعرف سوي الحفلات والنوادي والمقاهي تكون شخصيته سطحية, وأحاديثه بلا نفع وتضر, وعلي العكس الرجل الذي يقرأ ويدرس ويثقف نفسه, هو قادر أن يزيد غيره علما ومعرفة.
لذلك أنصحك بالقراءة, وخير أنواع القراءة هو ما يبني النفس, ويثقف ويشبع الروح والعقل.. فكن حكيما في اختيار ما تقرأه, فليست كل قراءة نافعة ولا بناءة.
وكذلك اقرأ بفهم, وبفحص, ولا تعتنق كل ما تقرأ, فكثيرون يقبلون كل ما يقرأون باقتناع تلقائي! دون دراسة, ودون تعمق في التفكير, كما لو كان ذلك مكتوبا بوحي!!
عليك أن تقرأ بميزان دقيق, وبتحليل أدق, ولا تصدق كل ما يكتب وما ينشر, فكثيرا ما نجد أشياء يعارض بعضها بعضا فيما تنشره الجرائد من أخبار ومن أفكار!
هدف القراءة:
ينبغي للإنسان أن يعرف هدفه من القراءة ويتذكره باستمرار, حتي لا ينحرف عنه إلي غاية أخري, وهناك هدفان للقراءة:
1- اكتساب الخبرة الأدبية.
2- استخلاص المعلومات وتوظيفها.
إن القراءة الجيدة تتطلب الاستمرارية والممارسة والتحسين المستمر.
2- بتوعية العقل:
يكون بناء العقل أيضا بتوعية العقل, وهذه مسئوليتنا جميعا من آباء أساقفة, وآباء كهنة, وخدام وخادمات ومجتمع. وذلك عن طريق التعليم, والإرشاد, والمشورة, فهناك ارتباط وثيق بين الكلمات الثلاث والكنيسة.
الإرشاد: هو عملية إرشاد الفرد إلي الطرق المختلفة التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكانياته وقدراته, وتعليمه ما يمكنه من أن يعيش في أسعد حال ممكن بالنسبة لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه. والإرشاد وصية كتابية: اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله (عب13:7), وهذا دور آبآء الكنيسة وخدامها, وكما يقول القديس أوغسطينوس: لا يخلص عن طريقك إلا الذي يحبك, مما يؤكد أن يكون المرشد الروحي موضع ثقة للمخدوم يقدم له طاقة حب, وطاقة جاذبة تجذب النفس المتعبة والساقطة والتي تعاني من المشكلات.
ولقد اتضح أن الذي يكمن وراء كل المشاكل التي تحيط بالإنسان بصفة عامة هو فقر الفكر, الذي يمكن التغلب عليه من خلال المعرفة من يحب التأديب يحب المعرفة (أم12:1).