احترام عقل الأبناء يبدأ منذ السنوات الأولي من عمرهم. فالأطفال يفهمون ويتعلمون منذ الشهور الأولي من حياتهم. إنهم يختزنون آلاف وملايين الخبرات التي يكتسبونها عن طريق الحواس المختلفة قبل أن ينطقوا بأية كلمة, وبمعني هذا أن تصرفات الكبار الذين يحيطون بالطفل هي مصدر الخبرة الأساسي للطفل, سواء كانت تصرفات الكبار هذه تجاه الطفل, أو فيما بين الكبار وبعضهم. فإذا تعاملنا مع الطفل بأسلوب التشجيع والحوار والصداقة والمشاركة والتقبل, وبمعني آخر إذا احترمنا عقل الطفل وشخصيته, فإننا بذلك نبني عقلا مبدعا, قادرا علي التفكير الحر وعلي مواجهة المواقف الجديدة بنجاح.
لقد ثبت أن ارتفاع مستوي التفكير والإنجاز والإبداع يرتبط بأن نحيط الأبناء بجو من الإحساس بالأمان ومديح النجاح, مما يعطي الطفل الثقة بنفسه. بينما ثبت وجود ارتباط بين انخفاض مستوي الإبداع والذكاء والقدرة علي التفكير وحل المشكلات, وبين البيئة المنزلية التي يسود فيها جو التسلط والصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها للأطفال, وممارسة أنواع من الضبط والنقد المستمر والإحباط والعدوان البدني والنفسي علي الأطفال.
إن الأطفال في حاجة إلي أن يشعروا بأن الآباء يحبونهم ويتقبلونهم, وذلك عندما يشعرون بالأمان من العقاب عند محاولتهم التجديد أو الاستقلال, أو إلقاء الأسئلة أو البحث عن الإجابات, أو ممارسة التفكير النقدي. وفي مثل هذا الجو, تنمو عادات التفكير الحر والسلوك الإبداعي. إن احترام عقول الأطفل يتضمن إحطاتهم باهتمام الآباء, وبعدم الخضوع المستمر لمعايير الكبار, مع توفير أكبر قدر من التنبيهات والخبرات, وإتاحة الفرصة للأبناء للشعور بالاستقلال.
وتؤدي مكافأة الآباء للأبناء, والتي تصدر عن الشعور بالحب والاحترام من جانب الوالدين, مع إتاحة الفرصة للأبناء لممارسة قدر ملائم من الاستقلال والتفكير الحر بغير إكراه, تؤدي إلي ثقة الأبناء في أنفسهم وشعورهم بالأمان, مما يدعم عادات التفكير, والقدرة علي التعبير عن الأفكار الجديدة والمبتكرة, والإحساس باحترام الكبار لقدراتهم.
كما أن الترحيب بأسئلة الأطفال, يعتبر عنصرا مهما جدا لتوسيع آفاق تفكير الأطفال ولاستمرار الحوار معهم ولتشجيعهم علي التفكير الحر, كما أنه مظهر من أهم مظاهر احترام عقول الأبناء, فلا يجب أن نضيق أبدا بأسئلة الأطفال, بل لابد أن نشجعهم دائما علي إلقاء المزيد من الأسئلة.
علينا أن نعمل علي أن يسود جو من الصداقة والثقة بيننا وبين الأبناء ـ إن الصديق إذا أخطأ أو صدر عنه تصرف لا نرضي عنه, فإننا لا نخاصمه ولا نعاقبه, بل نعاتبه علي نحو لا يؤدي إلي جرح مشاعره أو إيذائه, وذلك لكي تستمر صداقتنا ولا يهدمها عدم الاحترام أو التحقير أو عدم التقدير, وهذا ما يجب أن يسود بين الاباء والأبناء لكي يشعر الأبناء باحترامنا لهم ولعقولهم.
إننا إذا واجهنا سلوك الاستطلاع أو التساؤل بالتشجيع والدعم, سيستمر فيه الطفل, ويترتب علي ذلك نمو معارفه وخبراته, وسيشعر باحترامنا لعقله ومواهبه.
أما إذا واجهنا سلوك الطفل للاستطلاع والتساؤل بالإهمال أو السخرية (دوشتني ـ كفاية أسئلة ـ أنت بالع راديو ـ اسكت ـ ما اعرفش), فإن الطفل سيشعر بأننا لا نحترم عقله, وعندئذ سيكف عن السؤال والاستطلاع, ومعني هذا أن يتوقف عقله عن العمل, ومن ثم يتوقف الذكاء والقدرات العقلية عن النمو.
وليس معني التشجيع أن نتوقف عن بيان الخطأ والصواب للطفل.
بل علي المربي أن ينبه الطفل, في كل مرة, إلي ما ارتكبه من خطأ, والمهم هنا هو الطريقة التي يبين بها المربي خطأ الطفل.
فالطفل لا يقصد أن يرتكب الخطأ, لكنه لا يزال في مرحلة يتعرف فيها علي ماهو خطأ وما هو صواب, وعلينا أن نساعده علي أن يعرف هذا الفرق بأسلوب يجعله في المستقبل حريصا علي تجنب ارتكاب الخطأ وعلي فعل الصواب, وذلك بأن نقدم له التوجيه السليم من خلال التشجيع, بغير انفعال ولا عصبية.
وعلينا أن نحرص ألا يشعر الطفل أن حبنا أو تقديرنا له قد نقص بسبب خطأ ارتكبه, بل لابد أن يشعر دائما أنه محل حبنا وتقديرنا حتي إذا كنا نبين له أنه أخطأ, وهذه قاعدة من أهم الأسس التي يشعر معها الطفل باحترامنا لعقله وتفكيره.
مع ملاحظة أن قدرا من الضبط والتوجيه بهدوء وبغير عنف, أو الجرعات الخفيفة من خبرة الفشل, يؤدي في حالة قوة الدافع إلي النجاح واستمراره, ووجود معيار أو هدف واضح للأداء, إلي اكتساب الأبناء مزيدا من الثقة بالنفس عند أداء أعقد أنواع الأعمال, وإلي مزيد من شعور الطفل باحترامنا لعقله.