أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم.. والقضايا الاقتصادية
كتبت في هذا المكان في أوائل سنة 1974 حينما قامت الدول المنتجة للبترول بزيادة أسعارها محذرا بأن هذه الزيادة ستعود عليها بالوبال, وستؤدي إلي آثار قاسية ومدمرة للدول الفقيرة, إذ ستبتلع دخلها, تدفعه ثمنا مضاعفا لاحتياجاتها من السلع المختلفة التي تتزايد أسعارها تبعا لزيادة أسعار البترول, سواء كانت مواد غذائية أو منتجات مصنعة, وقد طالبت في ذلك الوقت مصر بأن تتزعم الدول النامية في الوقوف صفا واحدا ضد زيادة أسعار البترول وقد ذهبت صرختي عبثا ولم يستمع لها أحد.
لقد فرحت الدول الإفريقية بما قدمته لها بعض الدول المنتجة للبترول من معونات ضئيلة وخالت أن هذه المعونات ستغطي الزيادة في أسعار وارداتها, ولكن خاب ظنها, فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية- كما توقعت حينذاك- ارتفاعا كبيرا, كما أن الواردات المصنعة قفزت أسعارها قفزات متوالية أضعافا مضاعفة فابتلعت هذه الزيادات المتكررة السريعة المعونة المقررة لها, وزادت عليها وأصبحت عبئا جسيما علي ميزان مدفوعات هذه الدول الفقيرة مما ألقي علي كاهلها ديونا ثقيلة تنوء بها, وتعاني منها ومن فوائدها, وأصبحت تواجه موقفا صعبا وأزمات عاتية تحاول علاجها في العديد من المؤتمرات الاقتصادية مع الدول الصناعية بلا جدوي.
لقد خرج علينا مؤتمر دول الأوبك هذا الأسبوع بزيادة جديدة لأسعار البترول, إن هذه الزيادة بدورها ستؤدي إلي نتائج خطيرة علي اقتصاد الدول النامية, إذ أن الدول الصناعية والدول المنتجة للمواد الغذائية سترفع أسعار صادراتها أضعاف ما ستدفعه من فروق في أسعار البترول, وكما قلت سابقا فإنها ستعوض مدفوعاتها بزيادة أسعار مبيعاتها وتستفيد من هذه الزيادة الأخيرة, بينما أن الذي سيدفع الثمن غالبا هي الدول الفقيرة المستوردة لتلك المنتجات, قد يقول البعض: إن هذه الدول تنتج المواد الأولية وتقوم بتصديرها وفاتهم أن أسعار المواد الأولية تتحكم فيها البورصات العالمية التي تحدد أسعارها, وإذا سمحت برفع تلك الأسعار فسيكون ذلك في حدود ضئيلة لن نغطي إلا جزء بسيط من الارتفاع العالمي لأسعار المواد الغذائية والمنتجات المصنعة التي هي عماد حياة دول العالم الثالث.
إن العالم الآن ينقسم إلي ثلاث نوعيات من الدول الأولي هي مجموعة الدول الغنية المنتجة للمواد الغذائية والمنتجات الصناعية, والثانية مجموعة الدول الغنية المنتجة للبترول, والثالثة الدول الفقيرة النامية والمنتجة للمواد الأولية وهذه المجموعة هي التي تعيش في مسبقة يحيط بشعوبها الفقر والجوع والعري هي فريسة للدول الغنية من المجموعتين الأولتين, فهي التي تمتص رحيقها وتتحكم في أسعار منتجاتها وتبيعها ما يلزمها من ضروريات الحياة بأعلي الأثمان وتدأب علي زيادة تلك الأسعار بين الفينة والفينة, وبلغ بالمصانع في الدول الغنية أن ترفع أسعار منتجاتها عدة مرات في العام الواحد مما يجعل الدول المستوردة لهده المنتجات وهي دول المجموعة الثالثة تلهث وهي نلاحقها وتعاني من اضطرارها إلي دفع هذه الأثمان الباهظة التي تقصم ظهورها.
إنني أدعو هنا مصر إلي تزعم هذه الدول المكدودة والمبادرة بعقد مؤتمر لها, ودراسة هذه المشكلة الخطيرة البعيدة الأثر علي مستقبل شعوب هذه الدول للبحث عن الحلول الحاسمة وعرضها علي المجتمعات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحددة لحملها علي اتخاذ قرارات فعالة لعلاجها علاجا حاسما يقيها ما يتهددها فذلك من مهام الأمم المتحدة, أن السكوت والتواكل وترك الدول الغنية تواصل امتصاص مقدرات الدول الفقيرة فتزداد الأولي في الغني وتكديس الأموال الطائلة من مسبغة الدول الغنية لهو جريمة إنسانية بشعة لايصح السكوت عليها.
إني أحذر الأجهزة الحاكمة من أن رفع أسعار البترول سيؤدي إلي ابتلاع كل ما لنا من معونات وقروض لأنه بدلا من استخدامها في تنمية اقتصادنا الذي نسعي إليه, سنضطر لدفعها سدادا لزيادة أثمان وارداتنا, سواء كانت مواد غذائية أو مصنوعات محتلفة بل أنها لن تكفي للزيادة الكبيرة المتكررة والنتيجة الحتمية لذلك زيادة مديونيتنا مرة أخري ونقع في هوة عميقة ودوامة خطيرة من الديون والفوائد الجسيمة.
إن علي حكومتنا مسئولية التصدي لذلك الوحش الكاسر المتحفز لإبتلاع اقتصادنا المتعثر, والله يوفقها في الاضطلاع بمسئوليتها لتدرأ عنها وعن شعوب العالم الثالث ما نستهدف له من مخاطر ولتأمن مستقبلها.