منذ إنشاء التلفزيون المصري في يوليو 1960 وحتي الآن يحتل شهر رمضان مكانة خاصة لدي صناع الدراما لما يمثله من اهتمام واسع بمتابعة الأعمال التلفزيونية والبرامج التي تحقق دوما نسب مشاهدة عالية.
كانت البداية عام 1962 حينما نجح مسلسل هارب من الأيام للمخرج نور الدمرداش وبطولة عبدالله غيث ومديحة سالم والذي يعتبر أقدم مسلسل مصري في لم شمل الأسر العربية, وليس المصرية فقط حول شاشة التليفزيون كانت الشوارع تخلو من المارة منذ هذا العمل وأصبحت الدراما التلفزيونية جزءا أساسيا من يوميات شهر رمضان بجانب فوازير رمضان التي تعاقب علي تقديمها عدد كبير من النجوم وكانت تحقق نجاحا كبيرا ولعل أبرز النجوم الذين يتذكرهم المصريون هما نيلي وشريهان كما كانت أحداث دراما ألف ليلة وليلة وصوت الراحلة زوزو نبيل الذي ارتبط بشهر رمضان وهي تردد عبارات الراوي بطريقة شديدة التميز.
كانت الدراما التلفزيونية بكل مكوناتها وتنوعاتها أحد طقوس الشهر الكريم وكانت الأسرة العربية تلتقي حول هذا الجهاز السحري الذي يقدم القيمة والترفيه معا.
شهد هذا الشهر مولد نجوم كبار وتصدر المشهد الفني من كان يطلق عليهم نجوم التلفزيون عندما كان نجوم السينما علي مدار عقود طويلة يظهرون علي شاشات التلفزيون في أضيق الحدود حرصا علي عدم استهلاك نجوميتهم فلا نري نجوم مثل عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز إلا قليلا وكل عدة سنوات.
استطاع الراحل أسامة أنور عكاشة منذ أول عمل له وهو علي أبواب المدينة عام 1981 إخراج فخر الدين صالح وبطولة محمود المليجي وصلاح السعدني, أن ينقل الدراما التلفزيونية من مستوي التسلية والتشويق إلي مستوي العصف الفكري وطرح الأسئلة الشائكة وقضايا الهوية ويحسب له سواء من خلال ليالي الحلمية بأجزائها الخمسة أو عدد آخر من أعماله دوره الرائد في تحويل الدراما إلي عمل فكري وتأريخ لمصر.
ربما سعي عدد كبير من الكتاب للسير في نفس الدرب ونجح بعضهم في تحقيق نجاحات ولكن عكاشة كان الأب الشرعي لهذه المدرسة في الكتابة الدرامية.
مع نهايات القرن العشرين عانت السينما من أزمة كانت لها مقدمات منذ عقود وتراجع الإنتاج بشكل ملحوظ هذا ما دفع نجوم السينما إلي الهجرة الإجبارية للشاشة الصغيرة بحثا عن وجود فني وبحثا عن أكل العيش لكنهم للأسف هاجروا للتلفزيون بقواعد السينما حيث الأجور الباهظة ومغازلة شباك التذاكر من خلال تقديم موضوعات تسعي لنسب مشاهدة وتغازل المشاهد علي عكس دور التلفزيون الرئيسي الذي أنشئ من أجله وهو تقديم قيمة فنية من خلال إطار جمالي رفيع مما أدي إلي استعانة شركات الإنتاج بالمعلنين لتحقيق أرباح وتغطية أجور النجوم الباهظة خاصة بعد توقف الدولة متمثلة في اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن الإنتاج.
تحول الأمر بين نجوم السينما من مجرد زيارات تتكرر علي فترات طويلة إلي إقامة شبه دائمة علي موائد رمضان الفنية فتضخمت الميزانيات وزادت الأعمال بشكل كبير جدا مما دفع شركات الإنتاج للمبالغة في استثمار الإعلانات داخل العمل الفني وهنا نتذكر واقعة شهيرة طرفها الراحل أسامة أنور عكاشة الذي رفض عرض مسلسل المصراوية -وهو آخر أعماله- بسبب إصرار القنوات علي عرض فواصل إعلانية طويلة, في حين أصر عكاشة علي ألا يتخلل المسلسل إعلانات تؤثر علي تلقي المشاهد والاكتفاء بالإعلان عقب نهاية التيتر, ولأن الطرق سدت تماما فيما بين عكاشة والقناة اضطر لعرض المسلسل في إحدي القنوات العربية وروي الراحل أنه بكي عندما شاهد عمله لأول مرة في تاريخه يعرض في قناة غير مصرية, وقال عكاشة في حوار صحفي عام 2009 عقب تلك الأزمة: أصبحت مسلسلات رمضان إعلانات متعاصة دراما, وأصبحت الدراما في خدمة الإعلان, وكل ما النجم يجيب إعلانات كل ما المسلسل بتاعه يبقي ناجح بغض النظر عن أي شيء.
صار الزحام الشديد في كم الأعمال هو السمة الأساسية وتحول الأمر إلي منافسة بين نجوم السينما بعد أن سيطروا علي الشاشة الصغيرة حتي الذين رفضوامنهم من قبل حتي الظهور في برامج التلفزيون خوفا علي شعبيتهم من الاستهلاك صاروا يقدمون أعمالا سنوية للتليفزيون ويتنافسون علي حجز مكانهم مستخدمين كل سبل الضغط لتحقيق هذا الغرض.
كل ما نتمناه أن نري هذا العام أعمالا تليق بتاريخ الدراما المصرية وتقدر تراث مصر الفني العظيم.