نواصل اليوم الكلمات التى فاه بها الرب يسوع على الصليب والتى نرى فيها الكثير من القيم والمبادىء والتعاليم الروحية الأكثر من رائعة:
الكلمة الخامسة:
” أنــا عَطشــانُ ” (يو19: 28).
كلمة فاه بها الرب يسوع وهو على الصليب.
ياه! كلمة تزلزل الجبال … تزلزل أصلد وأقسي القلوب، والسؤال كيف يعطش خالق البحار والأنهار وكل ينابيع المياه؟ كيف يعطش الرب يسوع وهو الصخرة التي شرب منها شعب الله وهم في البرية كما هو مكتوب في (1كو10: 4)؟! ” وجميعَهُمْ شَرِبوا شَرابًا واحِدًا روحيًّا، لأنَّهُمْ كانوا يَشرَبونَ مِنْ صَخرَةٍ روحيَّةٍ تابِعَتِهِمْ، والصَّخرَةُ كانَتِ المَسيحَ”. كيف يعطش الرب يسوع وهو الذي قال للسامرية في (يو4: 13، 14) ” مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ، بل الماءُ الذي أُعطيهِ يَصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبَعُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ”؟!.
كيف يعطش الرب يسوع وهو القائل:” أنا أُعطي العَطشانَ مِنْ يَنبوعِ ماءِ الحياةِ مَجّانًا”(رؤ21: 6)؟!.
لاشك أن عطش المسيح يكشف لنا إنكار الجميل الذي أصاب القلب البشري نحو خالقها ومخلصها.
الحقيقة أنه كانت العادة عند اليهود في ذلك الوقت أنهم يقدمون للمحكوم عليه بالأعدام خلا ممتزجاً بالمر لكي لا يشعر بآلام الأعدام، وربما كانوا يفعلون ذلك كنوع من الشفقة، وقد رفض يسوع في المرة الأولى أن يشرب وأراد أن يكون في كامل وعيه، فالصليب هو الكأس الذي أعطاه له الآب فكيف لا يشربها بالكامل؟! ولا شك كان يوم الصليب يوماً قاسياً عنيفاً وعصيباً على نفس المسيح الحلوة الرقيقة العذبة، فقد تم القبض عليه وأُقتيد إلى المحاكمة في الليلة السابقة، وجال في شوارع أورشليم وسط عاصفة من الإستهزاء والسخرية والإزدراء والضرب والجلد والتعذيب، وكل الوان وأشكال الآلام، ولذلك كان في منتهى العطش، فصرخ “أنا عَطشانُ” فأخذ الجنود الرومان قطعة من الأسفنج وغمسوها في الخل وقدموها له بإستهزاء وإحتقار فشرب الخل، وكان هذا تتميماً للنبوة القائلة:” ويَجعَلونَ في طَعامي عَلقَمًا، وفي عَطَشي يَسقونَني خَلاًّ”(مز69: 21). فلقد وضع الرب يسوع نصب عينيه إتمام النبوات، كان المسيح يقدر أن يحتمل العطش، لكنه لم يحتمل عدم إتمام النبوات الواردة في (مز69: 21).
تأكيداً لهذا نرى البشير متى يذكر المرتين، المرة الأولى في (مت27: 33- 34) قبل الصليب، والثانية وهو معلق على الصليب حيث قدموا له خلاً فقط فمكتوب:” وللوقتِ رَكَضَ واحِدٌ مِنهُمْ وأخَذَ إسفِنجَةً ومَلأها خَلاًّ وجَعَلها علَى قَصَبَةٍ وسقاهُ “(مت27: 48).
وفي هذه الكلمة “أنا عَطشانُ” نجد المعانى الآتية:
1. البرهان الصحيح على تجسد المسيح هو عطشه، لأنه كإنسان كان يعطش ويشرب، يجوع ويأكل، يتعب ويستريح، يفرح ويكتئب، فلابد لمخلص البشرية أن يكون إنساناً لكي يشترك مع البشر في آلامهم ويرثي لضعفاتهم كما قال كاتب العبرانيين (عب7: 25).
2. لقد عطش الرب يسوع إلى خلاص النفوس وهذا واضح عندما سافر ومشي مسافة طويلة جداً حتى أنه تعب من السفر وجلس عند البئر إنتظاراً لمجىء السامرية ليكلمها عن خلاص نفسها وواضح من كلامه مع السامرية إذ يقول لها “أعطيني لأشرَبَ”(يو4: 7).
لم يقصد أنه عطشان إلى الماء الطبيعي بل قصد أن نفسه متعطشة لخلاصها فقال لها:”لو كُنتِ تعلَمينَ عَطيَّةَ اللهِ، ومَنْ هو الذي يقولُ لكِ أعطيني لأشرَبَ، لَطَلَبتِ أنتِ مِنهُ فأعطاكِ ماءً حَيًّا”(يو4: 10).
لقد أظهر الرب يسوع عطشه للنفوس عندما وقف في اليوم الأخير العظيم من العيد ونادى قائلاً:”إنْ عَطِشَ أحَدٌ فليُقبِلْ إلَيَّ ويَشرَبْ”(يو7: 37).
أنا عطشان: معناها شوقه إلى إتمام مشيئة الله “الذي يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَقِّ يُقبِلونَ”(1تي2: 4).
ولازال الرب يسوع في عطش إلى خلاص نفوس غالية على قلبه، أحبها وتجسد ومات وقام لأجلها.
3. عطش المسيح كان نيابياً، فألسنة الخطاة تستحق العطش لأن بالسنتهم قد مكروا سم الأصلال تحت شفتهم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة (رو3: 13، 14) ألسنتهم تستحق العذاب في جنهم مثل الغنى الذي قال: ” فنادَى وقالَ: يا أبي إبراهيمَ، ارحَمني، وأرسِلْ لعازَرَ ليَبُلَّ طَرَفَ إصبَعِهِ بماءٍ ويُبَرِّدَ لساني، لأنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللَّهيبِ”(لو16: 24).
المسيح عطش على الصليب حتى لا يعطش المؤمنون بإسمه “مَنْ آمَنَ بي، كما قالَ الكِتابُ، تجري مِنْ بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ”.(يو7: 38).
لمتابعة الكلمات السابقة اضغط على الروابط التالية: