من حق كل إنسان أن تكون له آمال وطموحات في الحياة, وأن يعمل ويجد من أجل تحقيقها, والنجاح في الحياة وتحقيق الآمال والأهداف شيء طبيعي لكل مجتهد, وليس النجاح في أن تكون مشهورا أو عظيما أو قائدا, بل النجاح هو أن تتعرف علي مواهبك وإمكاناتك وعبقريتك, أن وجدت, وتنميها, بحيث تكون أنت في النهاية, أنت بكل تكوينك ومواهبك وما أعطاه لك الله من استعدادات.
هذا هو النجاح في الحياة, وقد تكون إنسانا عاديا, أو موظفا صغيرا, أو حتي ماسح أحذية, أو رجل نظافة ينظف الشارع والمدينة والميادين وتكون إنسانا ناجحا في حياتك تشعر بالرضا عن نفسك, وبحب الناس جميعا لك ولعملك الذي يرتبط بهم مباشرة, المهم أن تعمل وتخدم مجتمعك, والعمل مهما كان بسيطا فهو لا يعيب صاحبه, بل بشرفه, لأن العمل واجب وحق وشرف, وصدق الأديب الأيرلندي المعروف برنارد شو عندما قال: الإنسان الفاضل هو الذي يعطي مجتمعه أكثر مما يأخذ منه.
هذه أول خطوة للانتصار في الحياة, العمل والعمل بجد الانتصار في الحياة يتطلب أن تتعلم بقدر استطاعتك, وكلما تعلمت فستجد آفاقا جديدة في الحياة والعمل, وسيكون العلم سلاحك الحقيقي في معركة الحياة والانتصار عليها, هكذا العلم خطوة مهمة وضرورية للنجاح والانتصار في الحياة ونستطيع أن نقول: إنه الخطوة الثانية في الحياة السوية, علي أن العلم ليس هو مجرد الدراسة المدرسية ثم الجامعية, وحتي الحصول علي درجات الماجستير والدكتوراه في الجامعة, لكن العلم يظل مهما للإنسان طوال حياته, ولذلك نقول.. اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد, فالعلم لا ينتهي, بالحصول علي الشهادات, بل العلم الحقيقي والمفيد حقا هو الذي يبدأ بعد التخرج ويعتمد علي الخبرة والاطلاع اليومي ومعرفة الجديد في العالم, فالعالم كما قال شاعر الألمان الأشهر جويته قريتي أي من حق كل إنسان أن يعرف عالمه ويقوم بزيارته ويتعرف علي تجاربه وعلمه, ويضيف إلي علمه الجديد وتجاربه الكثير وإذا كنت تريد النجاح في حياتك, فلابد أن تختار العمل الذي يناسبك, كما عرفنا في البداية, ولكن إذا لم أجد العمل الذي يناسبني فماذا أفعل.. هل أمتنع عن العمل أن أعمل العمل الذي لا يناسبني؟.
الإنسان يجب أن يعمل, لأن العمل حياة, فإذا لم تجد العمل الذي يناسبك, يمكن أن تقوم بأي عمل آخر, وحتي تنجح لابد أن تعتبره مناسبا لك ومن ضمن هواياتك حتي تنجح فيه, اعتبره العمل الذي كنت تبحث عنه, ومارسه بحب وبذمة, وحتي تنتصر في العمل وفي الحياة ابتعد عن زملاء وأصدقاء السوء الذين يريدون منك أن تكون مهملا عملك مثلهم ولا تقدر الوقت بل تضيعه, واحترام الوقت هو احترام للحياة والعمل, لأن الوقت هو نسيج حياتك.
الانتصار الحقيقي في الحياة يقتضي الابتعاد عن أصدقاء السوء الذين لا هم لهم إلا الانشغال بكل ما هو تافه, وممارسة كل ما هو ضد الأخلاق الحميدة, مثل تدخين السجائر, ويحتمل أيضا تدخين الممنوعات, وشرب الخمر, والتهكم علي خلق الله الذين يعملون بما يرضي ضمائرهم.
الانتصار الحقيقي في الحياة يدفعك لأحترام أفراد أسرتك وعملك وتأدية واجبك علي الوجه الأكمل بالنسبة للجميع, واحترام الآخر, احترام كل إنسان, وأي إنسان بغض النظر عن لونه ولغته ودينه وجنسه ومركزه أو ثروته, فالإنسان هو خليقة الله مثلي تماما, وفي احترامه احترام لنفسي والإنسان السعيد هو الذي يعيش بين أفراد سعداء يتبادل معهم الحب والسعادة والغيرية والإنسانية.
الانتصار في الحياة يحتاج منا أن نستخدم الهدية الثمينة التي منحها لنا الخالق العظيم, ولم يمنحها للمخلوقات الأخري, وهي العقل, والعقل هو الذي جعل الإنسان إنسانا, فبهذا العقل استطاع الإنسان أن يعيش في هذا العالم ويخضعه لإرادته, ويحقق الحضارة التي ننعم بها الآن.
الانتصار في الحياة يتطلب منا استخدام وإعمال العقل في نواح وظروف حياتنا, وأنت عندما تعمل عقلك ستصل إلي نتائج ناجحة تسعدك وتسهل لك الحياة في كل مناحيها, وقد أثبتت التجارب ذلك, فالعقل زينة الإنسان ومرشده الحقيقي إلي الخير والجمال والسعادة.
وقد يسأل الإنسان كيف أستخدم عقلي في مشاكلي وحياتي؟
أقول لك بأن تبتعد عن الخرافة والغيبيات, وترجع كل شيء إلي أسبابه الحقيقية, فمثلا إذا مرض أحد أفراد الأسرة, فالعقل يملي عليك أن تذهب به إلي الطبيب الذي يكشف عليه وبشخص المرض, ثم يعطيه الدواء. ثم لنفرض أن هذا الطبيب قد فشل في علاج المريض, وأن الدواء لم يأت بالنتيجة المرجوة وهي الشفاء, ففي هذه الحال يمكن أن أذهب إلي طبيب آخر طلبا للشفاء, ولا الجأ إلي الخرافة أو الأرواح الشريرة, أو أحد الدجالين الذين يستخدمون السحر, أو يفكون العمل الوهمي أو غير ذلك. العقل هنا هو الحكم وهو الذي يربط فعلا بين الأسباب والمسببات.
لهذا نصحنا أعظم فلاسفة التنوير عمانويل كانط:
كن شجاعا واستخدام عقلك..
كما قال شاعرنا العظيم أبوالعلاء المعري.. لا إمام إلا العقل.. هكذا العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر, وهو يدفعنا إلي الحوار الهادئ في تعاملنا مع بعضنا, ويبتعد بنا عن الإرغام والإرهاب, لأن الإنسان خلق حرا, وأكبر دليل علي ذلك وجود العقل نفسه.
هناك نظرية لفيلسوف اليونان المعروف أرسطو هي نظرية الوسط الذهبية, وهو يشرحها بقوله.. إن البخل رزيلة, وأن الإفراط, والبعزقة, رزيلة أيضا, أما الوسط بينهما فهي فضيلة الكرم, كذلك فالتهور والجبن رزيلتان تتوسطهما فضيلة الشجاعة, والإنسان الناجح في حياته يستطيع أن ينتظر في الحياة بهذه الفضائل التي تتوسط الرزائل, وبأن يكون هادئا في تقبل المشاكل بل والمصائب, حتي يجد لها مخرجا وحلا فالهدوء نعمة, ويجعل تفكيرنا إيجابيا مفيدا.
نحن شعب متدين, فقد فكر أجدادنا المصريون, تفكيرا فلسفيا في هذا الكون, ومن الذي أبدعه؟ وما هي الحياة ولماذا نعيش؟ وما هي نهاية حياتنا بعد الموت؟ وتوصلوا إلي وجود الخالق العظيم والحياة الأخري والخير والشر, وهكذا عرف المصريون القدماء الدين قبل الرسالات السماوية.
ومن هنا فالمصري يؤمن بالله منذ آلاف السنوات, ويعرف المنظومة الأخلاقية لهذه الأديان, في نشر الحب, واحترام الآخر, واعتبار المرأة مثل الرجل تماما, واحترام الحيوان والنبات, والعطف علي الفقراء وزيارة المرضي, ومساعدة الأرامل واليتامي وأحترام الحياة نفسها والعمل علي تقدمها وإعمارها وإسعادها. هذه كانت فسلفة الدين في مصر القديمة, وهي نفس فلسفة الأديان كلها علي اختلافها, ففلسفة الأديان واحدة, والإنسان المتدين يعمل بكل القيم ومنظومة الأخلاق, والمتدين الحقيقي يحترم الإنسان لأنه خليقة الله ويعمل ليعمر العالم, وينشر الحب بين الناس, ولا يعرف التعصب ولا الظلم, بل هو ينشر العدل بين الجميع لأن العدل قيمة مهمة بين البشر, بل هو اسم من أسماء الله الحسني.
أما الانتصار الحقيقي في الحياة, بجانب ما ذكرنا, هو الانتصار علي نفسك, علي رغباتك وشهواتك وأنانيتك, وحبك للمال, حتي الذين يسيئون إليك, وتقاسم الآخرين خبزك وطعامك, وتزور جارك المريض علي الرغم من مشاغلك الكثيرة, وتذهب للعزاء وتشد علي يد الحزاني وتقول لهم كلمات طيبة, فالكلمة الطيبة صدقة.
ومن يطلب منك مالا فلا ترده, إذا كنت تعلم بحاجته فعلا للمال وأعطه بعضا منه.. لا تكره أحدا فكلنا إخوة وأعلم أنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!.
واعمل كأنك تعيش أبدا وتموت غدا..