لغط لم ولن يتوقف حول تطوير التليفزيون المصري, وهناك تجارب سابقة في السنوات الخمس الأخيرة لم يكتب لها النجاح, الخطأ المتكرر هو تصور أن التطوير يعني تغيير الوجوه فقط, التطوير الأخير الذي ظهرت عليه الفترة المسائية ابتداء من التاسعة مساء وهي الفترة التي تعتبر مرآة لأي قناة لم يحمل جديدا سوي الاستعانة بالإعلامي وائل الإبراشي لتقديم التوك شو الرئيسي خلال فترة السهرة.. أعتقد أن الأستاذ وائل الإبراشي هو الخاسر الأكبر بظهوره علي شاشة التليفزيون المصري بعد سنوات من عمله في القنوات الخاصة.
ذلك لأن التليفزيون المصري هو لسان حال الدولة شئنا أم أبينا وسوف تتغير خريطة إعدادالتاسعة مساء كل يوم لبث تقرير معين أو لاستضافة مسئول بعينه أو لتغطية نشاط ما من أنشطة الحكومة, كل هذه الأمور وغيرها ليست عيبا لأن تليفزيون الدولة كما قلت هو لسان حالها وعليه أن يعبر عن توجهاتها ويركز علي أنشطتها ومجمل ما تعمل وتنجز, فهامش حرية التعبير والاختلاف في تليفزيون الدولة محكوم بالظروف القائمة وموقف النظام من الإعلام ومن ملف الحريات ككل وهذا الأمر تتحكم به طبيعة وظروف كل مرحلة تمر بها البلاد.
وإذا كان الأمر كذلك, وتليفزيون الدولة يتحمل نفقاته دافعو الضرائب من المواطنين فلماذا أتحمل أنا وغيري ملايين الجنيهات عقود المذيعين وتكلفة تجهيز استوديوهات رغم أن الرسالة والمحتوي الذي سيقدمه الأستاذ وائل الإبراشي وغيره لن يختلف في شيء عما كان يقدمه مذيعو ومذيعات التليفزيون المصري من أبناء ماسبيرو؟ لماذا تنفق الدولة من أموالنا علي تطوير شكلي محكوم عليه بالفشل مثل تجارب سابقة؟ ألم يكن من الأفضل إنفاق ربع ما ينفق الآن اعتمادا علي الكفاءات الكثيرة الموجودة داخل ماسبيرو؟ هل من المقبول أن تنحاز الدولة ومن جيوب المواطنين من دافعي الضرائب لمشاهير بنوا شهرتهم علي إفساد الذوق العام؟
فلماذا التمادي في قتل ما تبقي لدينا من أمل في بناء إنسان جديد بقيم عصرية حقيقية؟.
إعلام الدولة بالدرجة الأولي إعلام خدمي وليس ربحيا أو تجاريا.. لو رجعنا إلي التليفزيون المصري في بداياته الأولي قبل ستين عاما سنجد كل ألوان البرامج في قناة واحدة وبتوازن جميل بين التثقيف والترفيه والتنوير والأخلاق وفي النصف الأول من القرن الماضي كان هناك علي الساحة الفنية أم كلثوم وعبد الوهاب وعمالقة الموسيقي والغناء وفي نفس الوقت كان هناك مطربو الحانات والنوادي الليلية, لكن الإذاعة لأنها إذاعة دولة كانت تفتح أبوابها ومحطاتها للفنون الراقية ومن يستهويه لون آخر من الفنون فليذهب إليه حيث يوجد.
اليوم الآية معكوسة- تليفزيون الدولة يرعي ويحتضن عديمي الموهبة والمسئولية ويعطي ظهره لأساتذة كبار مثل البروفيسور مجدي يعقوب والروائي الكبير بهاء طاهر والمبدع الأستاذ محمد المخزنجي والتنويري الكبير الدكتور مراد وهبة وغيرهم كثيرين في كل مجالات العلوم والفنون والآداب.
وحتي الآن ورغم كثرة الكلام بلا معني عن التسامح وتجديد الخطاب الديني لم نر مبادرة جريئة للقاء مفتوح يجمع شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقسية بحضور عدد من الكتاب يديرون حوارا راقيا بين قطبين ورمزين كبيرين.
أعتقد أن هناك حالة ثقافية متدهورة تستحق من الدولة أن تلتفت إليها وتدرك مدي خطورتها علي مقومات الأمن القومي.
الدول لاتحميها القوة العسكرية والأمنية فقط مهما بلغت من تطور ولكن القوة الكبري والأبقي هي قوة المجتمع لأنها رأسمال تاريخي وحضاري دائم, ولكم في قصة حضارتنا المصرية القديمة عبرة يا أولي الألباب.