1: حياتها من أجله
توفي الوالد ولايزال ابنه صبيا صغيرا, فأخذت الأم تعمل وتدبر لتربي ابنها, وأحس الابن بالمجهود الكبير الذي تبذله أمه من أجله, فاجتهد وتفوق إلي أن انتهي من دراسته الجامعية وكان الأول بين زملائه, وأقامت الجامعة حفلا كبيرا لتسليم الشهادات والميداليات للمتفوقين, فاصطحب الفتي أمه إلي قاعة الاحتفال, ولم يهتم بما قالته من أنها لاتملك ثوبا جديدا يليق بالمناسبة.
وقام رئيس الجامعة بتسليم الفتي ميدالية ذهبية تقديرا لتفوقه ونبوغه بعدها وقف الابن يلقي كلمة الخريجين التي ختمها بقوله:أما بالنسبة لي فإن الميدالية الذهبية التي تسلمتها اليوم يجب أن تكون من نصيب شخص آخر, ضحي بحياته كلها من أجلي.. ثم ترك مكان الخطابة ونزل إلي حيث جلست أمه وقدم إليها الميدالية.
ومع التصفيق الذي استمر دقائق طويلة, تحية لهذا الفتي الذي أكرم أمه, سأل كل واحد من الحاضرين نفسه:هل استطعت حقا أن أرد لأمي بعض الدين الذي أدين لها به؟!
2: ثروة أم
في طفولتي اعتدت أن أسمع والدتي تحكي عن أم ذهبت ذات يوم مع ابنيها لزيارة صديقتها الثرية في قصرها الكبير, استقبلتهم الصديقة في حديقة بيتها الواسعة.
قال الابن الصغير لأخيه:إن صديقة أمنا جميلة جدافأجاب أخوه:إنها تلبس ملابس غالية لكن وجه أمي هو أطيب وأرق وجه في الدنيا.
كانت ملابس الأم بسيطة ولم يكن في عنقها أو ذراعيها أي حلي أو مجوهرات وقد ارتسمت ابتسامة حلوة علي شفتيها وهي تقول لولديها:سندخل الآن بيت صديقتي وقد نري مجوهراتها المشهورة التي تحتفظ بها في حرص شديد وفي غرفة الاستقبال الفاخرة قتحت الصديقة علبة مجوهراتها فانبهرت العيون لروعة ما بها من أشياء ثمينة رائعة وعندما أغلقت الصديقة العلبة, وأعادتها في حرص شديد إلي مكانتها قالت للأم:سمعت أنك لا تهتمين بالحلي والأحجار الكريمة, فهل صحيح أنك لاتملكين أية جواهر؟ هنا احتضنت الأم ولديها في صدرها وقالت:أيتها الصديقة إن عندي من هم أغلي من المجوهرات وأثمن وأشارت إلي ولديها وقالت:هذان هما مجوهراتي.. إنهما أثمن من كل جواهر الدنيا وأغلي.
3: الأم التي انتزعت الباب!
يحكي أن امرأة فقيرة كان عندها طفلان, لكن لم يكن لديها فراش أو غطاة ولا حتي ملابس كافية للولدين, في إحدي ليالي الشتاء الممطرة أخذت قطرات المطر تنزل من ثقوب السقف, فكرت المرأة في طريقة تحمي بها الولدين من ماء المطر, فوجدت أمامها الباب الوحيد في بيتها, الذي يفصل بين الغرفة ودورة المياه, أسرعت الأم وانتزعت ذلك الباب من مكانه ووضعته في ركن الغرفة فوق المكان الذي ينام فيه الولدان.
أخذت قطرات المطر تنزل من ثقوب السقف وتنحدر علي خشب الباب بعيدا عن طفليها والأم تتذمر قائلة: لماذا تتركنا الأيام حتي نصل إلي هذه الحال المؤلمة من الفقر؟عندئذ سمعت أحد الولدين يهمس قائلا:ماما.. ماما.. هل تتصورين ماذا يمكن أن يحدث لغيرنا من الأطفال,وإذا كانت أمهم لاتملك مثل هذا الباب تغطيهم به؟.
4: تدعو لي دعاء حارا
قال رجل أصبح من أشهر العظماء: عندما كنت صغيرا دخلت ذات صباح غرفة والدي لرأيت أمي قد ركعت بجوار كرسيها الكبير, ويداها مبسوطتان نحو السماء, وعيناها مطبقتان وسمعتها تذكر اسمي وتدعو لي دعاء حارا تطلب من الله-عز وجل- أن يوفقني في حياتي وأن يجنبني الزلل والخطأ فانسحبت من الغرفة دون أن تحس بدخولي أو خروجي وقد انطبع مشهد أمي وكلماتها في قلبي وعقلي وخيالي…
ثم واصلت دراستي وخرجت إلي مسئوليات الحياة وواجباتها العديدة, واجهت المصاعب وتغلبت علي العقبات لكنني لم أنس ذلك المشهد المؤثر, ولايزال صوت أمي وهي تردد اسمي أثناء دعائها لي, يتردد صداه في سمعي أينما سرت, كأنه نطاق يحيط بي يحميني من كل خطأ, ويدفعني إلي مزيد من النجاح, إنني كلما تذكرت ذلك المشهد أشعر كأن جناحي ملاك حارس يحيطان بي, وعندما أغمضت أمي العزيزة عينيها إلي الأبد, لم يحزنني شيء أكثر من أنه لم يعد يوجد لي, بعد ذلك اليوم, أم تدعو لي بمثل تلك الحرارة وذلك الإيمان!!
Email:[email protected]