ذات يوم وقف الشيطان وسط شعب الله قديماً وصاح قائلاً : “نادوا بصوم” ، كلمات تحمل كل معانى الخشوع التقوى والوداعة والروحانية السامية، نطق بها الشيطان على لسان ايزابل الشريرة “نادوا بصوم واجلسوا نابوت فى رأس الشعب واجلسوا رجلين من بنى بليعال تجاهه ليشهدا قائلين قد جدفت على الله وعلى الملك” (١مل١٠-٩:٢١ ) وعلى نغمات تأوهات وصرخات نابوت وعلى مشهد الدماء المتفجرة من كل رجمة مارس كل الشعب، الشاب مع الشيخ، الرجل والمرأة أسمى العبادات التى قال عنها الرب يسوع “وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلوة و الصوم” ( مت٢١:١٧) مارسوه وهم يقترفون أقبح وأشنع وأبشع جريمة وهى قتل المسكين البريء البار.. حقاً صدق قول اشعياء النبى فى صومهم “لي ضربوا بلكمة الشر” (اش٤:٥٨ ).
إن صوم ايزابل هذا وكل صوم على شاكلته ثقيل بل مؤلم جداً لقلب الله وهو يصرخ فى الشعب علهم يقتنون أذاناً صاغية “اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. اصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة.. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة البخور هو مكرهة لى.. لست أطيق الإثم والاعتكاف، رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسى، صارت ثقلاً علىَّ، مللت حملها.. أيديكم ملأنة دماً. اغتسلوا تنقوا.. اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة (اش١٧-١٠:١ ).
ًمن أخبث الحيل أن يأتي عدو الخير ملتحفا بأقدس الفضائل وعلى طقسه الشرير اللعين يقدمها للإنسان، كما لو كانت الرياضات الروحية بحد ذاتها هى الغرض النهائى الذى يصبو إليه الإنسان ويأخذه بعيداً عن حضن الله و يتوه فى ممارسات جوفاء وينسى الجعالة الحقيقية ملكوت الله فى القلب وفى السماء.
يالروعة الصوم حين يكون جوهره ترفع عن انغماس فى الجسدانيات والخلوة بعشرة الحبيب عريس النفس الذى يشبع قلبها، فلا يعد لملذات الجسد طعم ولا معنى بل تناجى حبيبها “من لى فى السماء ومعك لا أريد شيئا فى الأرض” (مز٢٥:٧٣).