أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
لاشك أن قوانين الثورة الخاصة بإيجارات المساكن والمحال التجارية والمكاتب كانت لها آثار مدمرة علي البلاد, كغيرها من القوانين التي صدرت لممالأة الطبقات العريضة علي حساب ظلم طبقات محدودة, لقد أصدرت الثورة قوانين تخفيض الإيجارات وكذا تجميدها, وجعل عقود الإيجار أبدية ولا نهاية لها, ولا حق للمالك في زيادتها, بل وعاملت الثورة المباركة طبقة الملاك كأنهم أعداء للشعب والدولة, إن من طبيعة المصري إذا ما ادخر جزءا من إيراده فإنه يشتري قطعة أرض ولو بالتقسيط لبنائها منزلا يتخذ من إحدي شققه سكنا له ويؤجر شققه الأخري ليحصل علي إيرادها إذا ما أحيل إلي المعاش أو فقد عمله, كما كان بناء العقارات استثمارا مضمونا ومريحا لمتيسري الحال أيضا, وحتي لكبار المستثمرين, للبعد عن المجازفة, ولإيراه المنتظم شهريا, فقامت المنازل الصغيرة والعمارات الشاهقة التي كانت كافية للشعب, بل وتزيد عن حاجته, وكانت ظاهرة عادية وجود لافتات للإيجار علي أغلب المنازل والعمارات وللساكن أن ينتقي ما يشاء وبإيجارات معقولة مريحة.
ما أن جاء قانون تخفيض الإيجارات وتجميدها وغيره من القوانين المجحفة والظالمة للملاك حتي أقلع الجميع عن بناء العقارات كبيرها وصغيرها, وتطور الأمر حتي أصبح الحصول علي شقة خالية أمرا صعبا, ثم أخذت الأزمة تشتد حتي وصل الأمر إلي دفع مبالغ قد تصل إلي عشرات الآلاف كخلو رجل للحصول علي إحدي الشقق, وبذا اشتدت الأزمة واستحكمت حلقاتها حتي أصبحت عبئا ثقيلا علي الشعب والحكومة, وسببت الكثير من المشاكل الاجتماعية للجماهير العريضة.
هذا بالنسبة للسكان, أما بالنسبة للملاك فقد ظلموا ظلما بينا, إذ تجمدت إيراداتهم بالرغم من التضخم الذي أخذ في الزيادة سنة بعد أخري, حتي وصل ارتفاع الأسعار إلي ما يوازي مائتي مرة بالنسبة للأسعار في الخمسينيات, وأصبحت الشقة العادية التي كان إيجارها خمسة جنيهات في سنة 1952 ومازال مجمدا حتي الآن لا يغطي مصاريف العقار, وأصبح المالك معدما, إن في هذا لظلم كل الظلم.
لما أحست الحكومة في السنوات الأخيرة بمصائب قوانين الإسكان وأنه يجب تعديلها لرفع الظلم عن الملاك المساكين ولمحاولة حل أزمة الإسكان, حاولت إصدار قوانين جديدة أكثر عدالة ولكنها كانت تحجم دائما خوفا من الطبقات العريضة التي قد تضار ضررا بليغا, إذا ما اعتبر العقد شريعة المتعاقدين وأعطي الملاك الحق في زيادة الإيجار كما يشاءون وكذا إنهاء عقد الإيجار..
ولما أصبح الأمر يقضي اتخاذ إجراء سريع وحاسم لتعديل القانون, ومع تولي وزارة الإسكان وزيرا بعيدا تماما عن نبض الجماهير ولا يحس بالمعاناة القاسية التي يعانونها, فقد أخذ يطلق التصريحات التي أقلقت السكان بل وأقضت مضاجعهم, ففي أول الأمر صرح بأن القانون الذي سيصدر سينص علي أن لملاك العمارات الجديدة الحرية في تحديد الإيجارات التي تعطيهم عائدا مناسبا, وهذا لا اعتراض عليه, أما بالنسبة للمساكن القديمة فستزداد بنسب معينة وبعد مدة يعطي للمالك الحق في رفع الإيجار بما يراه وإلا فله الحق في إخلاء الساكن, كما صرح أيضا أنه في بحر هذه المدة ستزداد المساكن زيادة كبيرة ويصبح العرض أكثر من الطلب وهو قول نظري وغير مدروس, وبعد أن ضج الجمهور من هذا المشروع واعترض الصحفيون والكتاب من صدور مثل هذا القانون, وتهدئة للنفوس سحب القانون.
وقد اقترح الكثيرون حلولا معقولة لرفع بعض الظلم عن الملاك وتحميل المستأجرين بما يمكنهم تحمله, ومن الواضح أنه لا الآن ولا في المستقبل القريب ستنفرج أزمة المساكن بل ستمضي عشرات السنين قبل الخلاص منها, وأن من المضحك المبكي أن يخرج علينا سيادة الوزير بتصريح لجريدة الأهرام الصادرة في 1995/1/10 يقول فيه إنه يتوقع ارتفاعا كبيرا في إيجارات المساكن الجديدة ليصل من ألف إلي ألفي جنيه بعد تطبيق القانون الجديد, من في مصر يا سيادة الوزير يمكنه دفع الإيجار الخيالي الذي تذكره, إن هذا يؤكد أن سيادة الوزير يعيش في الخيال وبعيدا عن الواقع.