من روما إلى باريس من مدريد إلى كاليفورنيا ومن طهران إلى الصين، مدن خالية من البشر، مدارس بلا طلاب، ميادين بلا زوار، سكنت الأشباح السينمات والمسارح وملاعب الرياضة، وتجمع سكان الأرض جميعاً على “السوشيال ميديا” يقولون نفس الكلام بلغات مختلفة، يشعرون نفس الأحاسيس ونفس الفزع والخوف وانتظار المجهول. تساوى الجميع الغني والفقير والرئيس والمرؤس، فالكل يعلم أنه لا حصانة لديه ولا مركز سيحميه.. أين الجبروت والتهديد والوعيد، أين قوة الإنسان وأسلحته البيولوجية والعسكرية والنووية.
باتت نشرات الأخبار خالية تماماً إلا من اخبار الفيروس فقط لا سياسة ولا اقتصاد ولا خلافات سياسية كلها تراجعت ليتصدر كورونا كل الأخبار، فقط كورونا.
أين ذهب وكم ضحية خلفها وكم جسد استقر فيه ؟
بات الكل خائفاً على نفسه وعلى أحبائة وتمضي الساعات في المنازل تحت حصار كورونا كئيبة مملة لا تمر، متابعة الاخبار ثقل النفس ولا بديل.. الجميع مرضى من أصيب ومن ينتظر دوره، الكل في دوامة القلق وقد عزل نفسه عن الآخرين، عن أصدقائه وأحبائه خوفاً عليهم أو منهم .
في المدينة التي أعيش فيها والتي هي في الأساس هادئة قليلة الإزدحام بات الأمر قاسياً، “فيينا” الرائعة قِبلة السياح باتت شوارعها خالية من سكانها ومن زوارها، باتت محطات المترو مخيفة لا بشر بها، وأصبح التجمع لأكثر من خمس أفراد يعرضك للمساءلة القانونية وأين ستذهب والمقاهي مغلقة والمطاعم والمحال التجارية مغلقة والكل مترقب.
ستنتهي الأزمة.. وستختفي كورونا تدريجياً..وسيظهر العلاج والأمصال في وقت ما، وستكتب المقالات والروايات تجسيداً لما نمر به ولكن كل ذلك لن يمحو ذكرى هذا الوباء من ذاكرة من عايشوه حتى الموت، لن تمحو العجز الذي نشعر به جميعاً أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة، لن ننسي أننا دولاً وشعوباً وأفراد أغلقنا الأبواب على أنفسنا لنواجه مصيراً مجهولاً علنا نحظى بفرص أكبر للنجاة.