انطون سيدهم.. والقضايا الاقتصادية
نشر بتاريخ 29 – 10 – 1989
الدين هم بالليل ومذلة بالنهار, هكذا قال القدماء عن الدين وما يتحمله المدين من آلام نفسية بسبب مديونيته للآخرين, ولذا يجب أن يفكر الإنسان بعمق قبل أن يستدين, كيف ومتي سيؤدي ما عليه من التزامات لسداد دينه, وأن يدرس بكل دقة قيمة دخله وما يمكنه أن يوفره منه لدفعه لدائنه سدادا لما هو مدين به وفي الموعد المحدد, بل يجب أن يقتر علي نفسه ويربط الأحزمة محققا ما وعد به من التزامات لدائنيه. هذا هو ما يقوم به أي مواطن يحترم نفسه ويحافظ علي كرامته وكيانه.
إن الدول كالأفراد يجب أن تحترم التزماتها وتؤديها في أوقاتها, فعليها قبل أن تستدين أن تدرس وسائل السداد حتي لا تتوقف عن سداد أقساط هذه الديون وفوائدها, وهذا ما يصيبني بالهلع كلما وجدت الصحف اليومية تخرج علينا مهللة ومطبلة بالقروض الكبيرة التي تحصل عليها الحكومة من الخارجة, مفكرا هل درس المسئولون كيفية وطريقة سداد أقساط وفوائد هذه الدوين؟!.. لا أظن ذلك, وإلا لما كنا وقعنا في هذه الهوة العميقة من المديونية التي لا قبل لنا علي سدادها ولما كنا قد توقفنا عن سداد بعض الأقساط.
الآن وقد بلغت ديون مصر الخارجية ما يزيد عن الخمسين مليار دولار, فعلينا أن نعمل جاهدين علي تخفيف هذه الديون التي دفعنا عنها فوائد طائلة, وعلي الدائنين الذين حصلوا علي كل هذه الفوائد وبنسب مرتفعة أن يوافقوا الآن علي تخفيض هذه الديون بنسبة كبيرة لا تقل عن الثلث وكذا تخفيض نسبة الفوائد عليها بما لا يزيد عن 7%, وجدولتها وتقسيطها علي سنوات طويلة لا تقل عن ثلاثين عاما ـ حتي يصبح القسط السنوي في حدود ما يمكننا تدبيره وسداده ابنتظام حتي نتخلص من هذا الدين البغيض.
أما الحكومة فعليها أن توقف الاقتراض من الخارج أو أن يكون ذلك في أضيق الحدود وعند الحاجة القصوي إليه, كما عليها العمل علي تشجيع الاستثمار وأن تبعد عنه البيروقراطية الذميمة التي تعمل علي هروب المستثمرين, وكذا زيادة الإنتاج للإقلال من الاستيراد وتشجيع التصدير لزيادة فائض العملات الأجنبية حتي يتوفر منها ما يكفي لسداد أقساط وفوائد هذه الديون.
أما الشعب الشعب فعليه العبء الأكبر, ربط الأحزمة بانقاص الاستهلاك الفردي للمواد الغذائية الذي فاق متوسطها أعلي مستويات الاستهلاك في العالم وزاد علي كل التوقعات المنتظرة مما جعل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تزداد اتساعا بشكل أصبح فيه استيراد المواد الغذائية يمثل عبئا قاسيا علي ميزان المدفوعات من ناحية وعلي ميزانية الدعم من ناحية أخري, وأدي بالتالي إلي تضخم العجز بميزان الدولة.
إن الإنفجار السكاي لهو مشكلة المشاكل إذ هو أيضا عامل فعال في ارتفاع قيمة استيراد المواد الغذائية, ويستوعب أغلب العملات الصعبة التي تتوفر للبلاد, كما أن ميزانية الخدمات كالتعليم والعلاة وغيرها يزداد عبئها سنة بعد أخري, محملا ميزانية الدول بما لا طاقة لها به, ولذا يجب علي الشعب العناية التامة بتنظيم الأسرة, والحد من الإنجاب.
إن زيادة الإنتاج لهو الدعامة الكبري لنقص الاستيراد وزيادة الصادرات وبالتالي الحصول علي أكبر كم من العملات الصعبة مما يوفر للبلاد ما تدفعه لفوائد وأقساط الديون الخارجية. فعلي الشعب بجميع طبقاته ترك جميع العادات الهدامة ألا وهي التعاون والأهمال والتسيب والاستهتار, والعمل بكل جهد وإخلاص وتفان كل في موقعه حتي يزداد الإنتاج كما وكيفا, فيزيد الإقبال علي منتجاتنا في الأسواق الخارحية.
كان الله معنا, وأعطانا الفهم الصحيح والحكمة والحماس حكومة وشعبا لتحقيق ما علينا من واجبات لنتخلص من هذه الديون بسدادها لأصحابها.