تبدو العلاقة الوثيقة بين شهر مارس وبين أعياد المرأة وكأن الربيع يشبهها تماما فلا ربيع بدونها ولا حديث عن الحركة الوطنية المصرية دون أن تكون المرأة حاضرة بقوة مشاركة بفاعلية في معاركنا نحو الاستقلال والحرية, وكانت في مقدمة الصفوف للمطالبة بالدستور الذي يحفظ استقلالا حقيقيا وغير منقوص.
كان هذا مع توهج الحركة الوطنية في بدايات القرن الماضي ولم يتوقف دورها خلال ثورة 1919م التي دشنت المرأة خلالها وجودا ظل يتزايد ويتصاعد يوما بعد يوم رغم المعوقات والتحديات لكن الدور الوطني لم يتوقف يوما ولم تنجح أي قوة رجعية في إقصاء المرأة عن دورها الطليعي في مجالات العمل الوطني.
إن المكتسبات التي تحققت للمرأة كانت نتيجة نضال مجتمعي شارك فيه رجال يؤمنون بأهمية أن تحصل المرأة علي حقوقها ويأتي علي رأس قائمة هؤلاء الرجال قاسم أمين الذي تحمل قسوة خصومه من الرجال وتهكم العامة عليه واتهامه بالكفر والزندقة في بعض الأحيان لكنه قاوم وتمسك بموقفه التقدمي الذي يمثل نقطة الانطلاق لحصول المرأة علي كثير من حقوقها في عصرنا الحديث.
ونحن نحتفل بيوم المرأة المصرية نتذكر بالعرفان رائدات العمل النسوي لكن قبل ذلك نحيي ذكري عطرة لدماء المرأة المصرية التي سالت علي صدر الوطن مهرا لحريته وزودا عن كرامته هن الشريفات العفيفات المناضلات اللاتي خرجن في تظاهرات عارمة ليواجهن بطش الاحتلال ومدافع لا تفرق بين رجل وامرأة لكنها تستهدف كل ما هو مصري.
نتذكر دماء شفيقة محمد التي ولدت في حي الخليفة, وكان والدها يعمل مقاولا وعضوا في الحزب الوطني وقت كان مصطفي كامل زعيما له.
كان والدها المستنير يؤمن بتعليم المرأة في زمن كان تعليمهن دربا من الخيال حصلت شفيقة علي الابتدائية ولم يكن مسموحا بأكثر من ذلك لكنه كان كافيا لأن تقرأ وتطلع وتتابع ما يدور حولها من أحداث.
وكانت شفيقة ضمن تلك المظاهرة وفي مقدمة الصفوف تصرخ في وجه المحتل بكل قوة وجسارة وتحرض زميلاتها علي الهتاف ضد جنود يحملون البنادق.
ولم يتردد جنود المحتل في إطلاق وابل من النيران عليهن لتسقط شفيقة شهيدة وهي تحمل علم مصر, وسقط معها مهجة رياض وعائشة عمر وحميدة خليل وأخريات ليسطرن بدمائهن صفحة جديدة في النضال الوطني.
ويمنحن المرأة المصرية شرفا عظيما بتلك الدماء الطاهرة التي سقطت وكأن كل نقطة من الدم تصرخ قائلة تقدمن.. تقدمن.
ويتواصل نضال المرأة المصرية في كل الميادين ويشهد النصف الأول من القرن العشرين ظهور نماذج نسائية مشرفة ومناضلات فيه, ويقف التاريخ طويلا أمام نموذج نسائي ملهم ومؤسس وهي السيدة هدي شعراوي.
وفي عام 1923م أسست هدي شعراوي الاتحاد النسائي المصري ليكون مؤسسة لتأهيل المرأة علميا وثقافيا وسياسيا.
في عام 1925, أصدرت هدي شعراوي مجلة باللغة الفرنسية اسمها المصرية لتكون منبرا للحركة النسوية وفي حركة شخصية ذات دلالة بالغة قامت بخلع الحجاب لأول مرة خلال عودتها من مؤتمر للمرأة في روما عام 1923م أمام جمع من مستقبليها.
وتتواصل حلقات النضال الوطني من 1919م حتي ثورة المصريين في 30 يونية مرورا بأحداث وطنية كانت المرأة في بؤرة الحراك الشعبي خاصة في أوقات المحن والأزمات وكان خروجها اللافت ضد حكم جماعة الإخوان تعبيرا عن إحساسها المبكر بالخطر علي هوية الوطن.
ولن ننس الصورة الشهيرة لأحد كوادر الجماعة وهو يكمم فم الماضلة العظيمة الراحلة شاهندة مقلد وقد اختزلت تلك الصورة آلاف الكلمات التي تعبر عن المحنة التي مرت بها مصر وكيف كانت المرأة في أول الصف.
وتواجه المرأة ـ بعد هذا التراث العظيم من النضال ـ تحديات أعتقد أنها ماتزال قائمة رغم ما حققته من مكاسب.
يتمثل التحدي الأول في المناخ الثقافي العام الذي لم ينضج بذات الدرجة التي تضجت فيها الخطوات السياسية والقانونية وأتصور أنه إذ لم تتحقق ثورة ثقافية جذرية في منهج التفكير ورؤيتنا للمرأة فإن أي مكسب قانوني معرضا للضياع في حال تغير رؤية الأنظمة السياسية أو تراجعها هذا ما يتطلب أن تتحول الحركة النسائية المصرية إلي حركة قاعدية وليست فقط نخبوية تستهدف الوعي قبل كل شئ وعلينا أن نواجه بمزيد من الجرأة ذلك الفهم الخاطئ للدين ونعلن رفضنا الواضح بلا مواربة لكل المفاهيم المغلوطة التي تلقي هوي لدي الغالبية في ظل مجتمع ذكوري يعاني من مشكلات اجتماعية وثقافية يتطلب التصدي لها.
أما التحدي الثاني لا يقل خطورة هو هذا المنهج المسئ والرجعي في تسليع المرأة وتصدير صورتها باعتبارها مجرد وعاء وأداة للجذب والفتنة وهذا السلوك الذي عرفته مصر مع نهايات السبعينيات من القرن العشرين, وللأسف فإنه ظل مستمرا عبر وسائل الإعلام ويساهم بعض صناع السينما والدراما في ترسيخ ذلك وأعتقد أن نساء يتورطن كثيرا في ذلك عندما يقبلن أن يتحولن إلي سلعة أو عامل للجذب لسلعة ولا تري في ذاتها سوي وجه جميل فحسب وتتجاهل أنها كائن كامل ليست فقط جسدا خلق ليراه الرجل.
M – [email protected]