فكلَّمهم يسوع بالأمثال على أمورٍ كثيرة ( متى ١٣ : ٣ ) … فدنا تَلاميذُهُ وقالوا له : ” لماذا تُكلِّمهم بالأمثال ؟ ” فأجابهم يسوع : لأنكم أُعطيتُم أَنتُم أن تعرفوا أسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات ، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك ” ( متى ١٣ ١٠ – ١١ ) .
الامثال التي سردها يسوع قصص أرضية ولكن لها معنى سماوي . في هذا المثل ، مثل ” الابن الضال ” ( لوقا ١٥ : ١ – ٣٢ ) نموذجاً عظيماً للتوبة . فالإبن الضال لما أطاع أفكاره البشرية الأرضية ، وتبع مشورة الشيطان تعب جداً ، وعاش حياة الذل والإهانة من جوع وعطش وعري وغربة . ولكن لما رجع إلى أعماق نفسه وفحص ضميره ، قرر العودة إلى أبيه وتقديم الطاعة له بالندامة والتوبة الصادقة .
الأب في هذا المثل يمثّل الله ، الذي يبحث عن ابنَهُ الضائع ، يشتاق له ويريد أن يكون معه دائماً . والإبن يمثل البشرية البعيدة عن الله والمنفصلة عَنهُ .
الإبن الأصغر ، برغبته وحريته الشخصية وإرادته المطلقة ، سافر إلى بلد بعيد ورحل عن بيت أبيه . وبعد أن هدر أمواله وعاش عيشة إسراف ، أدرك بأنه ضائع وتجرّد وخسر المحبّة الوالدية . لكنه تاب وعاد إلى ابيه . وأبوه إستقبله بكل فرح ، وقبّلهً قُبلة الغُفران والمسامحة والمصالحة والسلام .
الإنسان ، كل إنسان ، ضال وتائه وبدون رجاء ، لذلك لا يستعيد علاقته مع الله ابونا السماوي . والطريق الوحيد لإستعادة هذه العلاقة الحميمة هي فقط من خلال الخلاص بيسوع الذي قال : ” انا هو الطريق و الحق و الحياة لا يَمضي أحَدٌ إلى الآب إلاّ بي ” ( يوحنا ١٤ : ٦ ) .
ما تفسير المعاني والرموز في مثل الإبن الضال ؟
– المال : يرمز إلى هبات الله ونعمه . أما تقسيم الميراث فيعني ذلك أن الله لا يفرض على الإنسان قيوداً في طرق استعمال مواهبه ، بل يترك له الحرية في توجيه مواهبه للخلاص أو للهلاك .
– ثم ذهب فالتحَقٓ برجُلٍ من أهل ذلك البلد : يرمز إلى الشيطان الذي يعذّب الإنسان .
– رعاية الخنازير وأكل الخرنوب : ترمز إلى عبودية مهينة للخطايا والأهواء .
– كلام الإبن الضال : صورة للتوبة الحقيقية التي تضمّ المكوّنات الثلاثة :
١ – الاعتراف : ” يا أبَتِ إنِّي خَطِئتُ إلى السماءِ وإليكَ ”
٢ – الاتضاع : ” لستُ مستحقّاً بعد ذلك لأن أُدعى لكَ إبناً ”
٣ – الرجوع إلى الطريق الصحيح ” فقام ومضى إلى أبيه ” .
– أسرعوا فأتوا بأفخَرِ حُلّةٍ وألبسوه : الحُلّة الأولى ترمز إلى الثياب الجديدة الناصعةُ البياض ، الطاهرة النقية كعلامة غفران خطاياه ، وهي بمثابة الثوب الأبيض للمعمودية . يعني أنه قد أعيدت له كرامة الإبن بل الإبن المحبوب . فلنتذكر أن يوسف أَحَبّْ الأبناء ليعقوب وكان يلبس أحسن الملابس .
– الحذاء في الرجلين : منذ أن سقط الإنسان الأول لا تزال الحية تزحف على بطنها وتحاول أن تسحق عقب الإنسان ، فالحذاء يرمز إلى الحماية من لدغة الحية . كما أنه يرمز إلى عزم الإنسان على أن يسلك في طريق وصايا الله بخطوات ثابتة .
– الخاتم : علامة السلطة والكرامة وكذلك إقتران النفس بالمسيح حيث يقطع الخاطئ علاقته بالعالم ويتبع المسيح بنعمة وقوة الروح القدس .
– الخدم : يمثلون الملائكة والكهنة الذين يسهرون على خلاص النفوس .
– العجل المسمّن : صورة لسر الإفخارستيا بحسب الآباء القديسين ، فعندما ترجع النفس البشرية إلى الله الآب لا بُدّ من أن يتوّج هذا الرجوع بالمأدبة . والمأدبة هي فرح الملائكة لكل خاطئ يتوب ( لوقا ١٥ : ٧ ) .
– الابن الأكبر : يرمز إلى الذين يدّعون بالبرّ ومع ذلك ليس لهم رحمة أو تعاطف . كما أنه يرمز إلى الشعب المختار الذي كان أوّل من سمع كلمة الخلاص ولكنه رفضها أو إلى اليهود الذين كانوا يتكبرون على الوثنيين الذين قبلوا كلمة المسيح بفرح .
– عمل الإبن الأكبر في الحقل فمعناه أن الفرّيسيين كانوا حريصين على تنفيذ الناموس حرفياً وإظهار أنفسهم أمام الناس على أنهم يتعبون ويجاهدون كثيراً .
ليتنا نعود إلى حضن الآب في هذا الزمن المُقدّس العظيم الذي هو موسم هذه العودة المحببة ” أقومُ وأمضي إلى أبي فأقولُ له : يا أبتِ إنِّي خطئتُ إلى السماءِ وإليكَ ” ( لوقا ١٥ : ١٨ ) .