إن انتشار الأمراض والأوبئة في مصر والعالم ليس وليد الصدفة بل له العديد من المحطات والأنواع التي انتشرت عبر التاريخ وقامت وطني برصد لبدايات ظهور كورونا وأهم الأمراض التي أصابت مصر بالإضافة إلي أقدم عشرة أمراض في التاريخ.
انتشرت فيروسات كورونا منتصف القرن العشرين. وهناك عدة تصنيفات لكورونا مثل كورونا الفا1 وكورونا الالباكا وكورونا الخفاش منه عدة أنواع خفاش محني الجناح وحدوة الفرس وكورونا خفاش إلف الظلام والفأري ثم كورونا البشري ثم بيتا جنس وبيتا 1 وكورونا الحوت الأبيض وكورونا البط والبلبلي والمونيا.
في سبتمبر 2012, حدد نوع جديد من فيروس كورونا, وأصبح الآن يعرف رسميا باسم فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية ووقتها قالت منظمة الصحة العالمية : إن المرض لا ينتقل من شخص لآخر بسهولة وفي 12 مايو 2013 أكدت وزارة الشئون الاجتماعية والصحة الفرنسية حدوث حالة انتقال من شخص لآخر حيث أصاب المرض طفلين من والدهما الراحل بعد زيارته لقطر والسعودية. وفي مايو 2014 سجلت حالتا إصابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي مايو 2015 أصيب شخص من كوريا الجنوبية بالمرض أثناء زيارته للعديد من المستشفيات بالشرق الأوسط وفي ديسمبر 2019 أصيبت 2468 حالة حتي ظهر في 6 مارس 2020 بمدينة ووهان الصينية.
وقال الدكتور آن جريور العالم في قسم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) سنذكر أقدم 10 أمراض عرفها البشر سواء سببتها البكتيريا أو الفيروسات ويستثني من هذه القائمة أمراض حصدت أرواح الملايين مثل الأنفلونزا والحصبة والطاعون الأسود, وذلك لأنها تتطلب كثافة سكانية كبيرة لتنتشر وهذا لم يحدث إلا عندما بدأ البشر في العيش داخل مدن كبيرة.
يعد مرض الكوليرا من أقدم الأمراض في التاريخ خلال القرن الرابع قبل الميلاد صنف الطبيب اليوناني أبقراط الأمراض التي أصابت البشر في ذلك الوقت وكان من ضمنها مرض الكوليرا. بكتيريا الكوليرا تعيش في العديد من مصادر المياه حول العالم ولكن يكمن خطرها في البيئة التي توجد فيها كثافة سكانية حول تلك المصادر بحيث تسهم هذه الكثافة في انتشار المرض بشكل أسرع.
وكان مرض التيفود سببا في خسارة حرب قديما.
خلال الفترة من 430 وحتي 426 قبل الميلاد, اجتاح مدينة أثينا وباء التيفود وساهم هذا الوباء في خسارة أثينا لمدينة سبارطا الشهيرة في الحرب البيلوبونيزية محدثا فجوة كبيرة في الديمقراطية عبر التاريخ.
كما نجد مرض الجذام مذكورا أيضا في مخطوطة من ورق البردي الخاصة بالحضارة الفرعونية في عام 1550 قبل الميلاد والتي ذكر فيها, حيث يمكن لحامل بكتيريا الجذام أن يستمر في حملها لمدة 20 عاما قبل أن تظهر عليه أية أعراض لينتشر المرض خلال تلك الفترة انتشارا كبيرا, وتسمي تلك الاستراتيجية بطريقة الهمود أو الخمود.
والجدري أيضا يعد من أقدم الأمراض ومن الأمراض القاتلة التي حصدت أرواح من 300 إلي 500 مليون إنسان في القرن العشرين وحده.
داء الكلب لمن لا يعرفه مرض فيروسي معد وقاتل يصيب الكلاب وغيرها من الثدييات ويسبب الجنون والتشنجات وينتقل للبشر عن طريق اللعاب.
فيروس داء الكلب من الفيروسات الذكية حيث لا يكتفي فقط بإصابة فريسته ولكنه يستولي علي عقله ويجعله يرغب في عض أي شيء, وهكذا يزيد الفيروس من فرص انتشاره وهو ينتهج هذا الأسلوب, وقد ذكر هذا المرض في دستور حضارة بابل.
يعد مرض الملاريا من الأمراض التي تسببت في قتل عدد هائل من البشر.
أول علاج لمرض الملاريا قدمه الرومانيون علي شكل تميمة منقوش عليها بعض التعويذات يتم ارتداؤها حول الرقبة, وأجريت محاولات كثيرة لإيجاد علاج آخر منها إضافة الزيت إلي البرك الراكدة لقتل يرقات البعوض واستخدام المبيدات واللقاحات.
وبالرغم مما سبق استمر المرض في الانتشار ليصيب 300 مليون إنسان كل عام ويقتل منهم مليونا علي الأقل سنويا وأحد الأبحاث يعتقد أن مرض الملاريا مسئول حتي الآن, عن نصف وفيات البشر وممتد جذور المرض إلي العصر الحجري عام 2700 قبل الميلاد, حيث ذكر أول تعريف له في إحدي الحضارات الصينية.
تعد الرئتان من المواطن المفضلة للبكتيريا والفيروسات والطحالب وحتي الطفيليات يتنفس البشر يوميا 11 ألف لتر من الهواء, وبالتالي يمكننا استنتاج أن الرئتين من المواطن المفضلة للبكتيريا والفيروسات والطحالب وحتي الطفيليات, وعندما تستعمر إحدي تلك الكائنات الرئة فالنتيجة المتوقعة هي إفراز سوائل في الرئة وتسبب مرض الالتهاب الرئوي.
أظهرت حفريات في سواحل فلسطين عن وجود مرض السل. ومصدر هذا المرض هو الإنسان وانتقل منه إلي الأبقار وليس العكس ومع أن هذا الاكتشاف يعتبر أقدم اكتشاف للمرض إلا أن أدلة أخري تم الكشف عنها في تركيا في عظام أخري يعود تاريخها إلي 500 ألف عام.
ومرض التراخوما مرض بكتيري مزمن ومعد يصيب العين ويسبب ظهور حبيبات في جفن العين ويعمل علي تقليصه وبالتالي وصول رموش العين إلي القرنية ومع الوقت وحك المريض لعينه باستمرار قد يصاب بالعمي.
تم ذكر هذا المرض في كتاب أبقراط الذي ذكرناه سلفا وفي أوراق البردي الخاصة بالحضارة الفرعونية ولكن الباحثين وجدوا آثارا لهذا المرض في بعض الهياكل العظمية في أستراليا والتي تعود إلي عام 8000 قبل الميلاد.
حمي الجبال الصخرية
الميتوكوندريا جزء حيوي يمكننا أن نجده في كل خلية حية في جسم الإنسان وتقوم بدور هام لبقاء الإنسان, وهو تحويل الجلوكوز إلي وحدات طاقة يمكن للخلايا استخدامها.
تحمل الميتوكوندريا جيناتها الخاصة المنفصلة عن الحمض النووي الخاص بالإنسان نفسه وهي تشبه في تركيبها تلك التي لدي البكتيريا وبالتالي يعتقد العلماء أنها قد تكون سبب وجود أكثر الكائنات فتكا علي وجه الأرض.
من البديهي أنه إن كان هذا التوقع صحيحا فقد حدث قبل ظهور الإنسان بفترة ولا يمكن الاستدلال عليه بالحفريات لذلك فقد قام الباحثون بمقارنة تلك الجينات لدي الميتوكوندريا مع جينات البكتيريا الموجودة اليوم ليجدوا أنها أقرب ما تكون إلي نوع من البكتيريا تسبب حمي الجبال الصخرية.
قالت الباحثة ليلي السيد في كتابها بعنوان الأمراض والأوبئة وآثارها علي مصر للفترة ما بين عام 1798 حتي 1813, : إن مصر عانت كثيرا خلال الحكم العثماني, فانتشرت الأمراض التي كان أبرزها الرمد والجدري والدوسنتاريا والاستسقاء, كما شهدت مصر الأوبئة الفتاكة التي حصدت أرواح الآلاف, بالإضافة إلي المجاعات ونقص النيل وسيطرة الخرافات والدجل علي أذهان المواطنين, كما كانت شوارع القاهرة ومنازلها مستنقعا للأمراض فنظافة الشوارع كانت تقع علي عاتق الأهالي ولم تصرف الحكومة أي اهتمام بها مما ساعد علي انتشار الأمراض.
استعرض الكتاب الكثير من قصص الأوبئة التي ضربت مصر في العصر العثماني مثل الطاعون في عام 1524م.
ومنها الطاعون روت الباحثة ليلي السيد عبدالعزيز, إطلاق الأهالي تسميات علي طاعون إسماعيل الذي ضرب القاهرة عام 1791م, وهو الذي عرف باسم طاعون إسماعيل, الذي كان يتولي منصب شيخ البلد, حيث بلغ عدد الوفيات ما بين 1500 بثلث سكان القاهرة.
قضي علي نصف المماليك المرتبطين بإسماعيل بك, وفقدت القاهرة وحدها أكثر من ستين ألفا من أبنائها في الفترة الواقعة ما بين السادس والتاسع من إبريل عام 1791م, بل إن إسماعيل ذاته كان مجبرا علي نقل الموتي إلي المغسلة السلطانية وتكفينهم علي نفقة بيت المال وشيد مقابر لهم عرفت بمقابر الغرباء.
أدي طاعون إسماعيل لتغيير الحكام في اليوم الواحد أربع مرات, ويؤكد الجبرتي أن الأهالي كانوا يحفرون حفرة لمن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونها فيها وكان يخرج من بيت الأمير الواحد الخمسة والستة عشر, وازدحم الناس علي الحوانيت في طلب المغسلين والحمالين, ويقف في انتظار المغسل أو المغسلة حشد من الناس ويتضاربون علي ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه, فلا تجد إلا مريضا أو ميتا أو معزيا أو راجعا من صلاة جنازة أو دفن أو مشغولا بتجهيز ميت أو باكيا علي نفسه موهوما ولا تنقطع صلاة الجنائز.
قبل طاعون إسماعيل تمت تسمية طاعون 1729 بطاعون كاوي وسبب التسمية أن فقيرا زنجي الأصل كان يجري في الحارات وينادي كاوي كاوي, وبعد ذلك رمي نفسه في النار من هول المرض فمات.
وتناول الكتاب بناء الحملة الفرنسية للمستشفيات, كما تناولت القرارات الصحية التي وضعها محمد علي باشا للقضاء علي مرض الجدري, كما استعرضت الأدوية المستخلصة من الأعشاب والتي كان يستخدمها المصريون للقضاء علي الأمراض المتفشية, وتأثير الأمراض علي الحالة الاقتصادية لمصر ففي طاعون عام 1801م الذي ضرب أسيوط وبعض المناطق كسدت أسواق النسيج حيث قضي علي عمال النسيج مما أوقف حركة التصدير للخارج.
في محاضرة نادرة تعود لعام 1948م. نشرتها وزارة المعارف, والتي تنشرها بوابة الأهرام, يتحدث الدكتور سيف النصر أبوستيت, عن تاريخ الأوبئة في مصر وخاصة وباء الكوليرا, حيث أكد أبوستيت, أن مركز مصر الجغرافي, الذي يتوسط القارات الثلاث, جعلها ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الأمراض, فهي القنطرة العالمية الكبري التي يعبرها من قديم الزمان المسافرون والتجار من كل أنحاء العالم, وبسبب ذلك فإن غالبية القوانين الصحية كانت في الأصل للتصدي للكوليرا تحديدا, كما أنها السبب المباشر في إنشاء مجلس الصحة العمومي الذي أصبح الآن وزارة الصحة.
الوباء الأول كان في عهد كلوت بك, مؤسس مدرسة الطب, الذي حاول هو وتلاميذه القضاء عليها دون جدوي, حيث كان تقضي علي 3 آلاف مواطن يوميا حتي انحسرت فجأة, وفي العام التالي عام 1832م تم إنشاء مكاتب الصحة لأول مرة في مصر, وخاصة في دمياط ورشيد والعريش, وتم تشكيل المجلس الصحي الذي كان النواة الأولي لمجلس الكروتينات والصحة البحرية, وعلي الرغم من ذلك فإن وباء عام 1834 تسبب في مقتل الآلاف, بينما امتد الوباء السادس ليشمل مكة المكرمة بالسعودية وينهي حياة 30 ألف حاج.
تروي المحاضرة النادرة قصة قدوم الوباء السادس لمصر حين تم نقل الحجاج عبر الباخرة سدني المتجهة للسويس, حيث أخفي قبطان السفينة المرضي, وكان عددهم 15 ألفا من كل أنحاء العالم, وهناك في الإسكندرية قبل ترحيل الحجاج المصابين انتقل المرض فمات حوالي 4 آلاف شخص, أي 22% من عدد سكانها, وكان يموت يوميا في دمياط 96 شخصا, وفي القاهرة حصدت 6 آلاف مواطن, بما يوازي 22% من السكان, ثم انتقلت إلي كل المحافظات وقدر عدد الوفيات عام 1865م بـ60 ألفا من السكان في أقل من 3 أشهر من شهور الصيف.
الوباء السابع الذي انتشر عام 1883م بدأ بمولد الشيخ أبوالمعاطي بدمياط أدي لوفاة 15 ألفا, معظمهم من أهالي بورسعيد والمنزلة والمطرية والدقهلية, وقد قدر عدد الذين ماتوا في الوجه البحري بنحو 36 ألف مواطن.
أما الوباء الثامن أعوام 1895 ـ 1896م فقد كان عدد الإصابات به قليلا, وأوضحت المحاضرة أنه لولا عادة السكان في دفن الموتي في منازلهم والتستر عليهم لأمكن القضاء علي الوباء.
الوباء التاسع كان عام 1902م والذي ضرب قرية موشا بأسيوط, وكان بسبب قيام العمدة بالتستر علي المرض من خلال القادمين من مكة المكرمة, حيث انتشر بعدها للقاهرة من خلال امرأة كانت قادمة من موشا وأدي الوباء لموت 34 ألفا و595 مواطنا, وبلغ عدد القري والنجوع التي زارها الوباء عدد 2026, وقد سجل أمير الشعراء أحمد شوقي وباء موشا في إحدي قصائده فالموت عند ظلال موشا رائع كالموت في ظل القنا الخطار, وقد انتهي وباء موشا عام 1902م ليختفي ويعاود الظهور مرة عام 1947م.
واختتمت المحاضرة النادرة الأسباب التي تؤدي لأنتشار مثل تلوث مياه الشرب, ليست لها علاقة بشهور الصيف أو الشتاء إلا بكمية البخار في الجو, مؤكدة أن ليس ضمانا كافيا, حيث إنهم يطلقون عليه الهواء الأصفر, لافتا إلي أن التطعيم ضد العدوي, ولكنه يقلل فرصة العدوي ويقلل احتمال الوفاة إذا حدثت الإصابة.
————-
المراجع
1- محاضرة الدكتور سيف النصر أبوستيت لتاريخ انتشار الكوليرا بمصر.
2- قاموس جني الحبيب لبنان والمعجم الصيدلي المحد مكتبه لبنان .
3- بوابة الأهرام .