أنطون سيدهم.. والسياسة الداخلية
00 سيطر الرأي الواحد علي حياتنا فترة طويلة, وانفرد هذا الرأي باتخاذ أخطر القرارات التي تتعلق بمصير الوطن, وكان لابد لهذا الرأي أن تحيطه حملات إعلامية مكثفة.. وضاع صوت الجماهير في غياب الديموقراطية والإجراءات الاستثنائية.
سنوات طويلة كان الناس يرددون خلالها الشعارات, وشوهت الحقائق, بل شوهت حتي حقائق التاريخ, وكان من المستحيل أن يعلو صوت فوق صوت الاجماع المفتعل.. وحدث ما حدث في ظل الرقابة ومراكز القوي من نكسات وهزائم وويلات.
وجاء15 مايو ليصحح الأوضاع ويقيم دولة المؤسسات ويرفع الرقابة وليمارس الشعب حريته من خلال مجلس الشعب والتنظيم السياسي والصحافة وفي ظل سيادة القانون.
ومن أجل هذا كانت ورقة أكتوبر وتطوير الاتحاد الاشتراكي, وطرح فكرة قيام الأحزاب وصولا إلي الديموقراطية.
وكان يمكن بعد 15 مايو والرئيس أنور السادات يؤمن بالديموقراطية حقا للشعب وضمانا للاستقرار أن يصرح بقيام الأحزاب لتعبر عن الشعب وتطلعاته وحقه في الحكم الديموقراطي.
نقول: كان من الممكن والشعب يتسلم مقدراته ويمارس حرياته أن تقوم الأحزاب ولكن المرحلة التي كان يمر بها الوطن وكانت مرحلة بالغة الدقة استدعت التبصر والتمهل لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
كان أمام أنور السادات بعد 15 مايو 1971 عمل مضن داخليا وخارجيا من أجل الإعداد للمعركة, واستدعي ذلك تعبئة كل الطاقات.. وقامت المعركة وتحقق النصر في أكتوبر 73 دون أن تتخذ أية إجراءات استثنائية.. واليوم والحديث يحتدم عن الأحزاب والمنابر والديموقراطية هل اجتزنا الصعاب التي تحوطنا؟ وهل تسلحنا بالوعي السليم وظهرت الكوادر السياسية التي تتسلم مهام العمل السياسي عن طريق الأحزاب التي توليها الجماهير تأييدها وثقتها؟
نحن مازلنا تحوطنا مؤامرات دولية بالغة الخطورة والتعقيد, ولايجوز إطلاقا تبديد الطاقات في صراعات حزبية والدخول في تجربة سريعة لممارسة الديموقراطية ربما كانت غير مأمونة الجانب.
إننا لانعترض أبدا علي فكرة قيام الأحزاب فهي مطلب عزيز لشعبنا الذي مارس الحياة السياسية, وكان له نضاله الثوري وتضحياته الغالية ضد الاستعمار والطغيان منذ القرن الماضي. ولكن هل تقوم الأحزاب هكذا بقرار؟ ثم تعد البرامج وترفع الشعارات وتبرز زعامات لا خبرة لها ولا هدف سوي الأضواء؟.
إن الشعب لم يمارس لفترة طويلة حرية التعبير وحرية الاختيار وحرية العمل السياسي, ثم أين القيادات التي تدربت وتدرجت ومارست العمل السياسي علي مختلف مستوياته وتلاحمت مع الجماهير وخاضت معها وبها مختلف المواقف؟
وسؤال: هل تصلح القيادات التي تولت العمل السياسي في المرحلة الماضية التي غابت فيها الحرية والممارسة الديموقراطية وتصدرت التنظيم السياسي وكانت تزكيها مراكز القوي بل تفرضها ومهمتها إعداد المظاهرات والهتافات والحصول علي المكاسب والثروات باسم تحالف قوي الشعب العاملة؟!
وسؤال آخر: نحن لانشك في قدرة الشعب علي الإدراك السليم والوعي بمصالح الوطن, ولكن هل نحن أعددنا الشعب الإعداد الواعي السليم لكي يمارس حقه في الديموقراطية وهو يعطي تأييده لحزب من الأحزاب؟ لقد مضت فترة طويلة غاب فيها الرأي الحر, واختنقت خلالها ملكات التفكير والقدرة علي التمييز بين ما هو حق وما هو باطل, وأصبحت السلبية للأسف طابع حياتنا.
واليوم.. ونحن نتنفس حرية التعبير مازالت هناك بعض الأصوات التي تستغل هذه الحرية لتلقي بآراء مضللة وهناك من يستجيب في غفلة إلي هذا الضلال حتي سمعنا أن الدعوة إلي الأحزاب والديموقراطية ردة إلي الوراء وضياع للمكاسب التي حققها الشعب!!.
فكيف نطمئن إلي مصيرنا وهناك فلول من المتاجرين بالشعارات مازالوا في طريق الضلال والأكاذيب؟ وهؤلاء الذين يعارضون حرية تكوين الأحزاب اليوم.. قد نراهم في الغد يتصدرون الأحزاب التي رفضوا فكرة قيامها!
لقد مرت بمصر فترة عصيبة والرئيس أنور السادات, الذي يؤمن بالديموقراطية طريقا للاستقرار والتقدم, حريص علي توفر كل الضمانات لتجربة الحرية والديموقراطية ومن هنا كان التأني والتفكير المتزن وإتاحة النقاش لشتي الآراء.
كلنا يهفو إلي قيام الأحزاب عنوانا للديموقراطية الحقة وكلنا يتطلع إلي اليوم الذي يمارس فيه الشعب حقه في التعبير عن رأيه من خلال الأحزاب يعطيها ثقته.. وبالتالي تولي الحكم.. فالديموقراطية هي حكم الشعب بالشعب وللشعب. ولكن علينا أن نعد الجماهير في شتي المواقع بالكلمة الصادقة وأن نمكنها من خلال تنظيماتها بأن تعبر عن رأيها دون وصاية أو تدخل ومن خلال العمل السياسي علي كافة المستويات تبرز الكفايات وتظهر القيادات وتنمو الكوادر.
إن ما نرجوه أحزابا قوية واعية تدرك مسئولياتها وتتسلم أمانة العمل السياسي بكل مخاطره ومحاذيره فتعبر كل هذه المخاطر وتجنب الوطن هزات قد تودي به وفي نفس الوقت العمل الجاد البناء من أجل الجماهير إلي الحياة الأفضل.
ونستطيع أن نقول: إن تكوين مثل هذه الأحزاب القوية الواعية غير متوفر لافتقارنا للقيادات السياسية المتمرسة علي العمل السياسي والحزبي لتولي الحكم في هذه المرحلة البالغة الدقة.