عقدت صباح أمس الأحد بمدرسة سانت فاتيما للغات ندوة توعوية عن الإنتحار ،اسبابه وعلاجه ،وتولت نجوى المصري ومدير المدرسة الدكتور يسري كامل تنسيق الندوة والإعداد لها، وكان المتحدث في الندوة استاذ دكتور وليد أبو السعود والذي وضع على كاهلة أهمية طرح هذا الموضوع للمراهقين تحديدًا مع تزايد حالات الإنتحار خلال الفترة السابقة وانقسمت الندوة إلي عدة محاور رئيسية وهي :
– نماذج من الشباب الذي أقدم على الإنتحار.
– حالات الإنتحار الجماعي التي يقبل عليها الشباب في بعض الدول واسبابها.
– التعريف بالانتحار .. أعراضه هل هو سبب أم نتيجة؟
– التعريف بالجهاز النفسي عند سيجموند فرويد.
– لمن نلجأ في المشكلات المجتمعية التي تواجهنا في مرحلة المراهقة؟!
– دور الأسرة وأهمية بناء حوار وليس حرب معهم.
– عدوى السلوك بين الشباب.
– الصراع النفسي مع الذات .. العند يضيع صاحبه فقط .
– اشتغل علي نفسك وانت في هذا العمر جيدًا ..هذه فرصتك ووقتك .
– تصالح مع الله وألجئ إليه.
– علاج جذري للنفس .. إحرص علي…
1- نماذج حياتية من شباب أقدم على الإنتحار خلال الفترة الماضية :
سادت عبر وسائل الاعلام والتواصل الإجتماعي خلال الفترة الماضية الكثير والكثير من حالات الإنتحار التى سلط عليها دكتور وليد أبو السعود الضوء وأبرز بعضًا منها، حيث ذكر حالات مثل المهندس الذي القي نفسه قبل شهور من فوق برج القاهرة بعدما ترك رسالة حزينة لإمه، والعديد من الفتيات والشباب الذين لاقوا حتفهم وأنهوا حياتهم بشكل مأساوي تحت عجلات مترو الأنفاق وبعض من استخدموا حبوب الغلال وغيرها من الطرق التي لجأ إليها الشباب ليهربوا من براثن حياتهم، معتقدين أنهم بهذه الطريقة سيرتاحون من مشاكلهم ومصاعبهم الحياتية .
بل وبعضًا منهم ذهبت حياته وهو يعبث مع الموت وكأن حياته مجرد لعبة يمكن تجربة الموت خلالها ،مثلما لاقتا فتاتين حتفهما قبل أيام وهما يعبثا بحبوب الغلال ،مؤكدًا على أن من يقدم على هذه الخطوة يكون بكامل قواه العقلية وواعيًا تمامًا لما يفعل حتى وإن كان واقعًا تحت ضغوط حياتية ،مؤكدًا على خطورة الدفع بعدم وعي الشباب بما هم مقدمون عليه.
– 2- حالات الإنتحار الجماعي التي يقبل عليها الشباب في بعض الدول واسبابها:
فيما عرض دكتور وليد أبو السعود في معرض حديثه خلال المحور الثاني من الندوة بعضًا من الدول التي يحدث بها حالات من الإنتحار الجماعي للشباب والفتيات نظرًا لحالة الرفاهية الزائدة التي يعيشونها، قائلًا أن بعضهم يعتقد أنه اكتفي من كل متع الدنيا فأقدم على الانتحار بعدما أصبحت الحياة لديه عبثا ولهوًا لا يريده، ذاكرًا علي سبيل المثال لا الحصر دولة السويد التي تصنف علي انها من أسعد الدول في العالم إلا أن حالات الانتحار ترتفع فيها بشكل ملحوظ ، فعلى الرغم من التطور الكبير والرفاهية الحياتية التي يحياها الفرد بها، إلا أن معدلات الانتحار بها مرتفعة بشكل ملحوظ .
وأشار “أبو السعود ” في حديثه إلى أن القارة الأمريكية أيضَا من المناطق التي اظهرت ارتفاعًا ملحوظًا في تسجيل حالات الإنتحار ، حيث أنها قد ازدادت بمعدل 6% خلال السنوات الست الماضية، كما سجلت روسيا ثاني أعلى معدل انتحار في العالم بعد غويانا ،كما احتلت ايضًا دول ليتوانيا وكوريا الجنوبية وغيرهم معدلات مرتفعة في حالات الإنتحار ،لافتاً إلى أن الفئة العمرية التي تقدم على الإنتحار ما بين الـ 15 و29 عام .
مؤكدًا كلامه وفقًا لأخر تقرير اعلنته منظمة الصحة العالمية والذي أقرت خلاله أن هناك نحو 800 ألف شخص يموتون من الانتحار كل عام، حيث نص التقرير على أن معدلات الإنتحار ارتفعت خلال ال 45 عام الماضية بنسبة 60% حول العالم.
– 3- التعريف بالإنتحار.. أعراضه هل هو سبب أم نتيجة ؟
فيما عرض دكتور وليد أبو السعود في المحور الثالث تعريف ونظرة عامة حول الإنتحار، أسبابه وأعراضه ،حيث أشار إلى أن الإنتحار يعد إنهاء وعدوان واضح من الفرد تجاه حياته ، ويعتبر رد فعل مأساوي تجاه ما يتعرض إليه من مواقف حياتية وضغوط، فالشخص الذي يحاول أن يجد مخرجًا للأزمة التي يمر بها في حياته أو يحاول الهروب منها لأنها في نظره يستحيل التعامل معها، وغالبًا ما يوضع الشخص الذي يسعي لإنهاء حياته في دائرة المشاعر المحبطة واليأس والإكتئاب من الظروف المحيطة به، والتي قد تتمثل في الشعور بالخزي أو الخجل أو حتى عدم الرغبة في أن يكون عبئًا على من حوله، بل وربما يدفعه شعوره بأنه ضحية لظروف حياتية بعينها أو الاحساس بالرفض من قبل الآخرين والوحدة والضياع إلى الإقدام على الإنتحار، لافتا ومؤكدًا على أن الإقدام على الانتحار هو نتيجة لعدة أسباب يتعرض لها الشخص ويقنع نفسه بحتمية انهاء حياته أمامها.
موضحًا “أبو السعود” خلال حديثه بعض من أهم أسباب الانتحار وهي:
موت أو فقدان شخص عزيز .
التعرض للأذي النفسي “التنمر” .
التعرض للأذى الجسدي “العنف الأسري” .
الإصابة بمرض عضوي خطير، بخلاف الأمراض المزمنة .
التقلبات المزاجية والاندفاع الشعوري في مرحلة المراهقة .
تاريخ من الاهمال الأسري للمراهقين ،وانشغال الوالدين عنهم والتسفيه مما يتعرض إليه المراهق في هذه المرحلة العمرية .
فشل العلاقات العاطفية ولا سيما في سن المراهقة نتيجة اندفاعهم نحو علاقات غير متكافئة في هذا السن الصغير .
وجود حالات انتحار في محيط الاسرة أو الأصدقاء المقربين .
لافتًا إلى أن حالات الانتحار بين المراهقين بالتحديد تكون بمثابة صرخة لمد يد المساعدة إليه حتى لا ينهى حياته، كما يزداد الأمر حدة بين الفتيات نظرًا لحسهم المرهف وما يتعرضون إليه من عنف مجتمعي عن الشباب .
ومن أهم الأعراض التي ذكرها “أبو السعود” التي تنذر بإقدام الشخص على الإنتحار هي:
السلوك الانسحابي المفاجئ من مجتمعه المحيط، وفقدان الرغبة في الخروج من غرفته أو التحدث مع أحد الأشخاص.
الاهمال وفقد الرغبة والشغف في ممارسة انشطته المعتادة والتي كان يحرص عليها قبل ذلك.
الاقدام علي بعض السلوكيات الادمانية والتدميرية ،كإدمان وسائل التواصل الإجتماعي والمخدرات والكحوليات وما يعرف حاليا بين الشباب ب ” cutting ” أو جرح النفس بإستخدام آلة حادة.
الاستغناء عن مقتنياته المحببة.
التحدث بشكل واضح عن الرحيل والموت والرغبة في أن تنتهي الحياة.
التغير المفاجئ في السلوك سواء بالانسحاب التام والهدوء أو التحول الي شخص ثائر على أبسط الأمور.
عدم القدرة علي التركيز أو التفكير بشكل واضح.
انخفاض المستوي والتحصيل الدراسي وحديثه عن عدم جدوى ما يفعله.
عدم القدرة علي انجاز أي عمل والاهمال الواضح في المظهر الشخصي.
التحدث عن الإثم والعار والاحساس بالذنب ، تغيير واضح في انماط النوم أو في العادات الغذائية.
ترتيب وسيلة واضحة للتمكن من انهاء حياته كأن يشتري بعض الأدوية بكميات كبيرة أو يستخدم آلة حادة أو بعض الحبال.
التحدث عن جدوى حياته ،واحساسه أنه عبء على من حوله.
4- التعريف بالجهاز النفسي عند سيجموند فرويد:
وفي معرض المحور الرابع تحدث دكتور وليد أبو السعود حول التعريف بالجهاز النفسي كما أشار إليه عالم النفس “سيجموند فرويد” ،لافتا إلى أن الجهاز النفسي ليس له وجود واضح في جسم الانسان مثل الجهاز الهضمي والجهاز العصبي ويصطلح أن نطلق عليه الجهاز الوهمي، حيث قسم فرويد في نظريته السيكولوجية حول الجهاز النفسي لدى كل انسان إلى ثلاثة مستويات وهي :الأنا ،الأنا الأعلى، الهو.
وحلل “أبو السعود” وفقًا لنظرية فرويد الجهاز النفسي قائلاً : “الهو” هو عبارة عن تلك الناطق المسؤولة عن الغريزة والدوافع الجنسية ،فهي تلك المنطقة التي يغلب على الانسان فيها الشهوات، وهو غير متعلق تماما بالأخلاق ،بل هي ما تريده النفس من شهوات وملذات، وتعد هي المنطقة الأشرس في الجهاز النفسي ،حيث اعتبرها فرويد منطقة قوية جدًا تجذب الانسان إلى ما هو مرفوض من الضوابط المجتمعية ،ف “الهو” لا تبالي بالدين أو التفكير أو السياسة أو حتى الأعراف المجتمعية، وإنما يأتي إخلاصها للرغبات فقط ،فكلما حلت رغبة جديدة لدى الانسان يكون منبعها ومصدرها هذه المنطقة من الجهاز النفسي.”
أما “الأنا الأعلى” فهو السيد المسؤول عن الاخلاق والضوابط أو كما نصطلح عليه بالضمير الأخلاقي والتي يستمدها الفرد من الضوابط المجتمعية والاعراف والدين والسياسة، والأنا الأعلي هي النقيض الواضح المباشر للهو ،فكلما جاءت رغبة من الهو واندفاع تجاه أمر بعينه تلقى الطرف المعاكس بشكل مباشر من الأنا الأعلى، والذي لا يقبل إلا الصالح حسب التفكير والمنطق والعقل والدين والضوابط الاخلاقية والمجتمعية.
وفي “الأنا” وهي أخر مرحلة من الجهاز النفسي وهو ببساطة الجهاز الذي يوازن ما بين الأنا الأعلى والهو فنحن عندما نرى شخصًا بعينه إما أن نراه الشخص الذي يغلب عليه الشهوات والغرائز وأحيانا أخرى نراه ذلك الشخص الأخلاقي الملتزم بما تمليه عليه الضوابط المجتمعية، وفي هذه المرحلة يكون ما نراه في الحقيقة هو تفسير “الأنا” للشخص الذي أمامنا ،لافتا إلى أن هوية الشخص تتغير وفقًا لتغيرات الجهاز النفسي ما بين الأنا والأنا الأعلى والهو.
5- لمن نلجأ في المشكلات المجتمعية التي تواجهنا في مرحلة المراهقة؟!
شدد “أبو السعود” في هذا المحور من الندوة على ضرورة عدم اللجوء لشخص من نفس الفئة العمرية ،نظرًا لما تحمله مرحلة المراهقة بالتحديد من جموح واندفاع من الشباب والذين بالضرورة سيكونوا في نفس المستوى الفكري، ناهيك عن بعض الفروق الفردية بين الاشخاص، إلا أن سمات المرحلة تكون واحدة بينهم، وهو بالضرورة ما سيدفعهم إلى تقديم المشورة الخاطئة لبعضهم البعض بل والتي ربما تكون تدميرية لبعضهم كأن يدفعوا بعضهم نحو المخدرات أو الأفلام الإباحية أو علاقات وغيرها من السلوكيات والتطلعات التي يسعى إليها الشباب في هذه المرحلة العمرية، فقد لفت إلى أن المراهقة تتسم بتطلعات جامحة ومتهورة بين الشباب والفتيات ،وكذلك عدم صبر للوصول إلى الوقت الملائم الذي يتناسب مع تطلعاتهم وأفكارهم وتحايل بينهم علي تنفيذ ما يريدونه بعيدًا عن ناظري الأهل، كما لفت أيضًا لعدم التوجه لأشخاص غير مهيئيين لتقديم المشورة للشباب حتى لا يدفعونهم نحو أفكار خاطئة.
وقسم أبو السعود في حديثه مرحلة المراهقة إلى 3 مراحل وهي :المراهقة المبكرة بين 11 و13 عام ويهتم فيها المراهق بالتغيرات الجسدية التي طرأت عليه وبالناحية العاطفية ،والمرحلة الثانية ما بين 14 و16 عام وفيها تزداد المشاكل حول نموه وضغوط المجتمع والضوابط الاخلاقية والمجتمعية والمشاكل النفسية عليه ،والمرحلة الثالثة والأخيرة وفيها يبدأ المراهق بإيجاد هويته وتكوين أفكاره وهويته وتطلعاته بشكل واضح نسبياً.
6- دور الأهل وأهمية بناء حوار وليس حرب معهم:
قال “أبو السعود” في هذا المحور مشددًا على ضرورة التوجه للأهل ومحاولة إقامة حوار معهم بشكل واضح أو للمشيرين المتخصصيين في هذا المجال وأنه لا طائل من الحروب والتحدي والعناد مع الأهل لأنهم بالضرورة سيكونون الأكثر أمانة وحفاظًا علي المراهق في هذه المرحلة العمرية ،وضرورة التركيز على العلاقات العائلية بشكل خاص، وضرورة إطلاعهم على كل ما يتطلعون إليه في هذه المرحلة العمرية في ضوء حوار واضح.
لافتًا إلى أن الحوار الهادئ مع الأهل لا بد أن يكون متبادل ويستمع فيه المراهق للطرف الأكبر سنا منه، فيما ذكر إلى أنه لا بد من بناء جسر من الثقة والمصارحة والمصالحة بين المراهق وأبويه، وأنه من الطبيعي أن تقابل بعض أفكار المراهق بالرفض ولكن ليس معنى هذا أن يتحايل ويفعل الأمر خلسة من ورائهم ،فيما قال أنه من الطبيعي أن العلاقات بين الأهل والمراهق في هذه المرحلة تكون متوترة وليست ممتازة ،فالبعض تكون علاقته جيدة جدًا أو جيدة أو مقبولة ولكن بالحوار معهم سنتمكن من إيجاد الحلول وإرضاء جميع الأطراف، فربما يتعجل المراهق أمر بعينه يرفضه الأهل في هذه المرحلة ولكنهم سيقبلونه في وقت يكون فيه أكبر سناً وأكثر نضجا وخبرة، كممارسة رياضة بعينها أو العمل في شئ ربما يراه الأهل فيه من الخطورة عليهم .
وقال أن المراهق في هذه المرحلة العمرية بالتحديد يحتاج إلى التعلم والاستماع لمن هم أكبر سنا منه في كل خطوة يخطوها حتى يتمكن من العثور على الطريق الصحيح الذي يؤدي به إلى شخص ناجح بالتأكيد ونافع لأسرته ومجتمعه.
فيما عقب قائلًا أن البيت هو أكثر مكان آمن للمراهق ويحافظ عليه، ولكن أحيان تكون تربية الوالدين في ماضيهم محملة بالخوف والفزع والقلق، أو أن يكون تعرض الأهل لبعض الخبرات السيئة في محيط حياتهم الأسرية سببًا للرفض وربما يتحول الأمر معهم إلى فوبيا كأن يلقى أحد أفراد العائلة حتفه في البحر أو خلال سفر أوغيره من الخبرات السيئة التي يعانيها الأهل والتي يجب على المراهق احترامها واحترام خوف أهله عليه، فبالتأكيد أنت كإبن أو ابنه لكم مكانة كبيرة جدًا لدي والديكم ولن يفرطوا فيكم أو يتركوكم للمخاطر بملء أيديهم، لذا يتوجب عليكم احترام هذا الخوف واحترام الرفض وما يعانونه حتى يعبروا أزمتهم النفسية.
فيما أشار في مجموعة من النصائح للأهل وهي:
استمعوا جيدًا لأبنائكم هم الأهم والأولى من أي عمل أخر.
لا بد أن يكون الأبوين مثالأ يحتذى به في السلوك الأخلاقي ليتبعهم ابنائهم فحامل المسك لن تجد من رائحته إلا الطيب.
يحتاج المراهق إلى إحاطة شاملة واحتواء من البيت في كل مناحي حياتهم النفسية والثقافية والصحية والعاطفية والمجتمعية ،فلا داعي للتسفيه لما يتعرضون إليه، فالبيت للمراهق هو بمثابة اللقاح الذي يحميه من مخاطر مجتمعه المحيط.
لا تستخدم العنف مع المراهق ..كن انت مصدر الأمان لأبنك /بنتك.
لا تكن ديكتاتورًا أمام ابنك ..استمع له وأبد اسباب الرفض أو القبول بشكل واضح.
تعرف على أصدقاء أبنك / بنتك فالمعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ،فلا تكن نافخ الكير.
7- عدوى السلوك بين الشباب:
قال “دكتور وليد أبو السعود” في هذا المحور أن مصطلح عدوي السلوك هو مصطلح استخدمه جوستاف لوبون للتعبير عن السلوكيات الغير محمودة للناس وسط الزحام، وهذا بالتحديد ما يعنيه مصطلح عدوى السلوك بين الشباب ،فهو نوع من أنواع التأثير الإجتماعي وعبارة عن تقليد للأخرين في سلوك أحدهم جراء مشاهدة السلوك أو السماع به ،وهذا بالتحديد ما يفعله المراهقون اليوم ولا سيما مع تواصلهم مع وسائل التواصل الاجتماعي ،فقد باتوا يقلدون كل مايروونه غير عابئين بخطورة مثل هذه الأمور عليهم، ومنها مشاهد الانتحار التي بات الشباب يكررها بنفس الآلية وكذلك التحديات التي عرفت بل وانتشرت كانتشار النار في الهشيم بينهم في المدارس، وتعاطي الأدوية المخدرة وتقليد أغاني المهرجانات والاحتذاء بحذو البعض من السلوكيات الغير مقبولة في الحياة بشكل عام ،وهو ما يفسر بشكل كبير تفشي ظاهرة العنف بين الشباب ،فالعدوى لا تقتصر فقط على الأمراض المجتمعية والجسدية وإنما تسيطر أيضًا على المشاعر النفسية وتبث فيها من الاحباطات أو الايجابيات حسبما يتلقى المراهق من مواقع الانترنت، فبمجرد تعرض المراهق في هذه الفترة العمرية بالتحديد لمشاهد العنف على سبيل المثال ينشئ لديه الميل لتقليد هذا السلوك لأنه يرى فيه من القوة والشجاعة والسيطرة واثباته لذاته التي يحاول البحث عنها في هذه المرحلة ،فيبدأ من هنا في تكوين أفكاره ومعتقداته، وكذلك مشاهد الانتحار والأفكار السلبية التي يبثها من حوله مما يدفعه لمحاولة تقليد هذا السلوك ،والذي ينمي لدى الافراد الرغبة في تطبيق الاسلوب ذاته، وهو ما يعرف بعدوى الانتحار ويعد أمرًا بالغ الخطورة على حياة الفرد، وينشئ لديه قناعة بأن التخلص من الحياة وكدرها يعد سببًا مقنعًا للإقدام على الانتحار ،وفي هذه الحالة إذا لم يتم استئصال الفكرة من جذورها لدى الفرد فلن تنجح أي وسيلة بردعه عن هذه الخطوة ، والتي ربما تكون كما قيل سابقًا صرخة انسانية لمحاولة إيجاد يد العون له التي تنقذه من كل هذا، ولا شك أن هذا يحتم على الأهل مراقبة كل ما يراه ابنائهم ومناقشتهم فيه بشكل صريح وواضح، لأن المراهق لا زال حائرًا في هذه الفترة ما بين الطفولة والمراهقة واثبات ذاته، ولا زالت معايير الصواب والخطأ غير واضحة معه بشكل حقيقي وكافي، كما ألمح إلى ضرورة عدم استخدام العنف مع المراهق وفعلاقته بأسرته هي مفتاح الأمان والمحك الأساسي له.
8- الصراع النفسي مع الذات ..العند يضيع صاحبه فقط:
عرف “أبو السعود” في هذا المحور الصراع النفسي مع الذات قائلا : “إن الصراع النفسي مع الذات في هذه المرحلة أمر مؤلم ،فالانسان يشعر بحالة من التناقض بين رغباته وعجزه عن الوصول إلى قرار ثابت أو اختيار محدد بسبب كثرة الدوافع المتناقضة والمتضاربة لديه ،مما ينتج عنه حاجتين يصعب اشباعهما في وقت واحد، وبالتالي ينشئ التوتر والقلق والانفعالات والاضطرابات في الشخصية.”
حيث قسم الصراع النفسي إلى ثلاثة أنواع هي: إقدام إقدام ،وإقدام إحجام، وإحجام إحجام.
وهي بالتفصيل : “إقدام إقدام” :وهو عبارة عن صراع نفسي يصيب الانسان وهو حينها يكون أمام اختبارين متكافئين في كل شئ.
إقدام إحجام :وفيه يتعرض هذا الانسان للصراع حيث أنه يكون بين خيار واحد به الكثير من السلبيات والايجابيات في نفس الوقت وهو إذا وافق الخيار فسوف يحرم من ايجابياته ويجب أن يتحمل سلبياته وإذا لم يوافق عليها فسوف يحرم عن ايجابياته وسوف يبتعد عن السلبيات الخاصة بالخيار خاصته.
احجام احجام: ويكون فيه الانسان معرض إلى سلبيين وعليه أن يختار واحد منهم وهذه السلبيات متكافئة في الموقفين بنفس الدرجة.
وأوضح أن اهم اسباب الصراع النفسي مع الذات هي : عدم معرفة الذات بشكل جيد والتصالح معها ومعرفة ما تريده بشكل حقيقي في هذه الحياة ،والاندفاع والتشتت في العديد من الامور والخوف من ضغوطات الحياة والمجتمع ومن الاقدام على خطوات جديدة في الحياة، كذلك يعد الكبت النفسي للرغبات تجعله هعرضه للصراع النفسي مع ذاته، وعدم قدرته على اتخاذ القرار أو الحيرة الشديدة والضغوطات الحياتية اليومية بشكل كبير ومتسارع.
إذن عليك أن تقوم بالتصالح مع ذاتك وتقبلها والثقة فيها واعتبار أن الحياة تجربة تستحق أن تعاش فلن يتكرر يوم من حياتك مرة أخرى ،وتدرب على اتخاذ القرارات بدءً من الصغيرة حتى الكبيرة وتحمل مسؤوليتها ونتائجها ،كن محدد في هدفك بشكل واضح وتعرف على انسب الطرق للوصول إليه ،ناقش نفسك بهدوء وحدد السلبيات والايجابيات فيما تزعم القيام به ،قم بتفريغ رغباتك بشكل صحي وسليم عن طريق الرياضة أو غيرها، انتق اصدقاء حقيقيين وأناس حكماء وعقلاء في تفكيرهم، صدق أنك تستحق النجاح وأن العناد لن يجنى ثماره سواك وليس غيرك.
9- اشتغل علي نفسك وانت في هذا العمر جيدًا ..هذه فرصتك ووقتك :
وجه دكتور وليد أبو السعود في هذا المحور إلى الشباب بصفة خاصة مشددًا على ضرورة تنميتهم لمهاراتهم ودفعهم نحو الرياضة ،وعدم ترك انفسهم بين براثن السوشيال ميديا والاتجاه نحو مزيد من التعلم والكورسات عن طريق الانترنت ،والاستفادة المثلى من وسائل التواصل الاجتماعي التي بين أيديهم، وابداء الرأي في الموضوعات المختلفة والقراءة ،وتطويرعقولهم ونشاطاتهم الاجتماعية والبحث عن سبل التعليم بالطرق المعلوماتية الحديثة والمشاركة في الاعمال الجماعية والمجتمعية، قائلا : “أنتم مراهقون اليوم حكامنا غدًا ،فأسلكوا الطريق الصحيح لتكونوا فخرًا لنا ولمجتمعكم وبلدكم في العالم اجمع” ،معقباً :” اشتغل على نفسك انهارده ونمي قدراتك هذه فرصتك اليوم ،انتم تستحقون النجاح والتفوق”.
10- تصالح مع الله وألجئ إليه:
فاجئ دكتور وليد أبو السعود عند حديثه قرب نهاية الندوة الجميع بقوله : “أنا مع الانتحار قلبًا وقالبًا ولكن بشروط إذا تمكنت من تحقيقها افعل ما تشاء” ،وفي هذا المحور لفت “أبو السعود” انتباه الحاضرين بقوله سالف الذكر إلا أنه أعقبه قائلا : “من منكم يستطيع أن يمثل دور المنتحر وهو واقف أمام الله ويشرح له اسبابه وأنه لم يك أمينًا علي الحياة التي وهبها الله عز وجل له ،إذا استطعت أن تقنع الله بأسبابك فهنيئًا لك بما تصبو إليه.”
مؤكدًا علي أن كل الأديان السماوية نصت على أن أرواحنا وحيواتنا أمانة أعطانا الله إياها ولا مناص من الحفاظ عليها ، إلا إذا كنت قادرًا على اقناع الله بعكس ذلك ،قائلا: “إن الكنائس والمساجد تكتظ بالطلبة أوقات الامتحانات وأوقات المشاكل فقط ،وبعد ذلك ننساه، فمن منا يقدر أن يقول أنه غير مقصر مع الله ، داعيًا الحضور إلى إعادة حساباتهم مع الله والمصالحة معه وإعادة العلاقات معه بالصلاة والدعاء وقراءة الكتب المقدسة والمصاحف التي ردمتها الأتربة على الأرفف في البيوت، ومشددًا على اللجوء الي الله في كل وقت مع اليسر قبل العسر والله لم ولن يتخلى عن مخلوق ،وقتها فقط ستستقر أمورك وتتمكن من التغلب علي كل صراعاتك النفسية والاسرية وأفكارك المغلوطة التي اكتسبتها بطرق شتى ،فوحده الله القادر علي أن يتعامل معك ويتقبلك كما أنت طوال الوقت.
– 11- علاج جذري للنفس .. إحرص علي ..
وفي المحور الاخير من الندوة قال دكتور أبو السعود في كلامه احرص علي .. الصلاة ، الرياضة ، رضا والديك عنك.
وأن كل من انتحر لم يضع حلًا لمشاكله علي الإطلاق ولم يصبر على خطة الله لحياته ،فهو شخص انسحابي قرر أن يستسلم للهزيمة وينهي حياته.
وقسم طرق العلاج إلي خمس طرق هي : علاج جذري للنفس ،علاج نسبي للنفس ،علاج جذري للبيئة المحيطة ،علاج نسبي للبيئة المحيطة ، أو تجميد الموقف في الوقت الحالي مع الأهل لوقت أخر أكثر ملائمة وانسب سنًا.
فيما شدد في نهاية حديثه على ضرورة انتباه الأهل لابنائهم ولسلوكياتهم، فالشخص الذي يقدم علي الانتحار لا يخبر أحد ولا يطلب مساعدة من أحد ويغلق بابه كليًا عليه لاقتناعه التام بأنه لا مناص له من مشاكله، وربما يجهل ممن يمكنه طلب المساعدة ،فالأمر جاد ويتوجب علي الأهل مساعدة ابنهم في تخطي هذه المرحلة الحياتية الصعبة وعدم تركه بمفرده، لأن من يقدم على الأمر مرة في الغالب يلجئ اليها مرات عدة حتى ينجح.