اعتدنا في تقييم الأعمال الفنية (باختلاف أنواعها ) على مدرستين أساسيتين : رأى النقاد ورأى آخر ( الجمهور عاوز كده) فإذا ماحقق العمل نجاحًا وفقا للمدرستين مجتمعتين فهذه هي المعادلة الصعبة، ويزداد الأمر صعوبة في الوقت الحالي بعد دخولنا عصر السموات المفتوحة وتعدد قنوات الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي.. أن هذه الوسائط وغيرها غدت تتيح لنا جميعا الانفتاح على الآخر في أي بقعة على وجه الأرض بما يحمله هذا الانفتاح من حرية في التعبير وتداول المعلومات وبناء جسور الصداقات البناءة و الأفكار و عرض الإبداعات والنشاطات المختلفة، والتعرف على طرق تطوير الذات، واكتساب مهارات جديدة في العناية بالبيت والأسرة والاستماع إلى النشاطات الروحية، والانتقال إلى الأزمنة والأمكنة في رحلة سياحية للعقل والروح.
وعلى الجانب الآخر فإن هذه الوسائط أيضا تتيح لأنصاف – بل لعديمي المواهب الفنية – سرعة انتشار إنتاجهم الركيك، فنجد فيما نجد جملا لاترقي حتى إلى مستوى الخواطر الأدبية يدعى أصحابها امتلاك موهبة القص، وكلمات تفتقد للإيقاع الشعري وعذب الكلام تصاحبها موسيقى صاخبة تطفو على السطح من حين إلى آخر في أغنيات متدنية متفرقة هنا وهناك، بالإضافة إلى من يصنعون لأنفسهم قنوات خاصة على ال”يوتيوب” يعرضون فيها الآراء الهدامة والألفاظ الجارحة وكأنها معركة تصفية حسابات مع من يختلفون معهم في الرأي أو يبثون فيديوهات لأغنيات ساقطة أو أفلام يندى لها الجبين …
وهنا حرى بنا أن نعود إلى زمن الفن الجميل وكيف تشكل وجداننا على سينما الأبيض والأسود في العصر الذهبي للسينما المصرية، مثال الصدق مع الجمهور في تقديم كيلاسيكيات الأدب العالمي من رواية ومسرح على أساس مبدأ الترجمة والاقتباس والتعريب والتمصير( فرأينا كرسي الاعتراف والبؤساء من الأدب الفرنسي وأنا كارنينا من الأدب الروسي، أيضا وجدنا هاملت لشكبير وبيت الدمية لهنريك ابسن وغيرها من إبداعات المسرح العالمي على مسارح الدولة و شاشة التليفزيون المصري) وليس كما يحدث فيما بعد – في كثير من الأحيان – من تقديم هذه الأعمال على أنها من إبداعات أسماء أخرى قد نعرفها وقد تكون مازالت مجهولة لدينا، وذلك دون الإشارة من قريب أو بعيد لهذه الإبداعات الأجنبية.. أيضا فإن القبيح الذي قدمته هذه الأعمال كان بغرض الانتصار لقيم الحق والخير في معركة الصراع بين الخير والشر وليس هذا القبح في ذاته – كما يحلو للكثيرين اليوم.
لهذا وذاك فإن استخدامنا الشبكة العنكبوتية يُعد سلاحًا ذا حدين، ولأن القوى الناعمة ( الفنون على اختلافها والفكر والثقافة )هي التي تشكل الوجدان الإنساني ولأنه أيضا لا يمكن التحكم فيما ينشر إلكترونيًا (بصور متعددة) فإن الحل – في اعتقادي يكمن في ضخ الأعمال الفنية الجيدة ( واستخدام كلمة ضخ هنا بقصد مد المجتمع بكم هائل قدر المستطاع بالفن الجيد )، فكما تعلمنا من دراسة الاقتصاد أن العملة الجيدة تطرد العلة الرديئة هكذا يحدث مع الأعمال الفنية التي تفرز نفسها بنفسها والتجربة الإبداعية الحقيقية ستفرض نفسها ..
.