نعم.. نحن قد وصلنا إلي العام 2020, في عشرينيات قرن جديد وبداية الألفية الثالثة, ولا نزال نتحدث عن جريمة قبيحة كالختان! نحن لا نتحدث هنا عن جريمة ذات طبيعة تتعلق بالتكنولوجيا وإساءة استخدامها, ولا توظيف شرير لتقنيات البايوتكنولوجي, أو حتي عن انتشار فيروس مخلق في معامل حرب, ولا عن السطو الإليكتروني, وهي الجرائم التي تناسب طبيعة العصر, والتي تعاني منها المجتمعات التي تتجه نحو المستقبل, بل نحن -وبكل أسف- نتحدث عن جريمة نكراء مركبوها والمدلسون عليهم هم في منتهي الجهل والتخلف, مازالوا قادرين علي ارتكاب الإساءة الجسدية التي هي في أدني درجاتها تشويه مستديم جسدي ونفسي, وفي أعلاها قتل هو في رأيي مع سبق الإصرار والترصد, وكل ذلك بدافع حماية الأخلاق والدفاع عن الشرف! بـتأديب الأنثي رغما عنها كي لا تشعر بما خلقه الله فيها ككائن حي, وهم حتي في هذا الفهم خاطئون وجهلة بالإضافة إلي ظلمهم.
الخميس الماضي 6 فبراير, احتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة ختان الإناث, تلك العادة المجرمة والتي يتم إلصاقها زورا بالأديان, والتي تم تجريمها في مصر بعد نضالات طويلة خاضها المجتمع المدني المصري بشرائحه المختلفة وكذلك الوزارات المعنية, وتم تتويج رحلة النضال تلك بتغليظ العقوبة علي الختان الذي كان قد تم اعتباره جريمة بالفعل, وذلك بعد وفاة فتاة بريئة في مدينة السويس ضحية له علي يد طبيبة مجرمة, فتحول من جنحة إلي جناية عقوبتها السجن المشدد. كانت ميار سببا في التغيير الذي يبدو أنه كان علي الورق فحسب, جاءت الإحصائيات لتسجل علي مضض انخفاضا ضئيلا في نسبة الفتيات اللاتي تعرضن لهذه المصيبة, لكن لا أحد مهتما بالحديث بصوت عال, فلا تزال هناك عقليات تري أنه من الأفضل التغاضي عن تنفيذ هذه العملية الشنيعة علي يد طبيب أفضل من اللجوء لغير متخصص, حتي سقطت ضحية جديدة تم الإعلان عنها في قرية الحواتكة, بمركز منفلوط, في محافظة أسيوط, ماتت الفتاة المسكينة في عيادة طبيب ارتكب الجريمة في عيادته الخاصة كي يكون بعيدا عن الرقابة, لكن الله أراد فضح انتهاك الأعمار والأذي الذي بالتأكيد قد طال غيرها, ماتت المسكينة, وتم القبض علي الطبيب والأب, أي طبيب هذا ياالله وأي أب أضاعا تلك المسكينة!
ووفقا للتعديل القانوني عام 2016, بنص المادة 242 مكررا من قانون العقوبات, لابد من تطبيق عقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة, أو إذا أفضي ذلك الفعل إلي الموت, وقد ماتت المسكينة, لن يعيد سجن الأب والطبيب حياتها, لكنهما لن يفلتا بفعلتهما وهذا أضعف الإيمان, وقد يساهم هذا في كف أذي أمثال هذا الطبيب عن الناس, وفي ردع الآباء عن تشويه أجساد ونفسيات فتياتهم وتعريض حياتهن للخطر, لكن المؤكد أن هذه الحادثة البشعة لن تكون نهاية المطاف, وأنه سيتم نسيانها بمرور الوقت, ولن يتذكرها أحد إلا بوقوع ضحية جديدة, وحين يتم جرد الضحايا المعروفات سيتم تذكرهن وحسب, فما الحلقة الناقصة هنا؟ ولم لا نزال ندور في دائرة مفرغة؟, ولماذا لا تزال فتياتنا يتساقطن ضحية لهذه الجريمة النكراء؟ نحن قد قاربنا علي الانتهاء من الربع الأول للقرن الجديد, فكيف يليق بنا استمرار هذه العادة البشعة؟ لماذا لا تعمل جهود مكافحتها بقوة أكبر, وبانتشار أوسع, وبفهم أعمق لطبيعة المجتمع المصري خاصة في الريف؟
لا نملك سوي مناشدة الجهات المعنية, ومتطوعي العمل الأهلي, إعادة إحياء الحملات المناهضة للختان بشكل واقعي ومؤثر, وبرفع الصوت عاليا قدر المستطاع للتعبير عن مخاطر الختان, والحث علي تطبيق القانون بشكل حازم وصارم علي كل من تسول له نفسه المشاركة في هذه الجريمة, سواء من الأطباء أو أولياء الأمور, وبموازاة ذلك الاستمرار في التوعية بكل الأشكال والطرق والسبل, والدعوة لاستقبال الأفكار والمبادرات الشبابية التي تمد يد المساعدة بالتفكير خارج الصندوق, فلا يليق بنا أبدا في هذا العصر أن نناقش لا نزل! كيف ألا تقع فتياتنا ضحية لهذا العبث!!.