أقلام كثيرة كتبت عن أهمية التعليم لنهضة أي مجتمع سترشده بدول تتمتع بالاستقرار في كافة النواحي سواء اقتصاديا أو سياسيا ويتمتع شعبها بأعلي درجات الرفاهية والتحضر, وبعض الأقلام تناولت كيف أثر العلماء والمفكرين والفلاسفة في تغيير العقول.. وفي عالمنا العربي يندر أن نجد علماء اكتشفوا نظريات جديدة لخدمة البشرية ولا غرابة في هذا طالما أن الدولة تصرف علي البحث العلمي مبالغ ضئيلة جدا مقارنة بالعالم الغربي وخاصة إسرائيل التي تعطي أولوية من موازنتها للبحث العلمي والتعليم.
في ظل هذا الواقع لم يعد للعلم مكانته كما كان سابقا وأصبح إعمال العقل ضرب من الجنون لدي البعض فاستسهل الطالب النجاح دون مذاكرة طوال العام معتمدا علي دروس خصوصية أو مراجعة آخر شهر من السنة وبالتالي انحدرت الثقافة لأدني مستوياتها وأصبحت الفهلوة أسلوب حياة في كل شيء وبدأت مقولة العلم في الراس مش في الكراس هي لسان حال شريحة كبيرة من المجتمع, فلم يعد الكتاب هو الصديق الوفي للإنسان وأصبحت السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي مصدرا لمعلومات يخلو معظمها من الحقيقة.. وتصرخ الأقلام منادية بأهمية العلم والثقافة متهمة الشباب بالسطحية.
هذا الجدال جعلني أتذكر تجربة محمد علي باشا في التعليم وكيف ربط بين احتياجات مصر من تخصصات مختلفة وبين إنشائه للمدارس وكان علي درجة كبيرة من الوعي والإدراك لأهمية تثقيف الشعب وتعليمه فأنشأ مدارس الهندسة بالقلعة, المهندسخانة ببولاق, الطب في أبي زعبل, الصيدلة, الولادة, الألسن في القاهرة, المعادن بمصر القديمة, المحاسبة بالسيدة زينب, الفنون والصنائع (وتسمي مدرسة العمليات), الطب البيطري, الزراعة, التجهيزية- الثانوية.
ثم بدأ محمد علي في إرسال البعثات للتعليم بالخارج ولمعرفة ثقافة وحضارة الآخر ونقل محمد علي كل هذا إلي مصر.. فكان لهذه النهضة أثر كبير علي الحياة الثقافية والحضارية وأصبحت مصر منارة للعلوم والآداب والفنون والثقافة. ليس محمد علي وحده من عني بالتعليم فقد جاء بعده الكثيرين, والذي نحتاجه اليوم بحق هو أن تتكاتف الإرادة مع رؤية واضحة وأن يكون محمد علي نموذجا لأنه ربط بين تعليم الشعب وما تحتاجه الدولة من كوادر.. فنربط بين التعليم والوعي والثقافة.