كما يقولون “قوتنا في وحدتنا”.. ليست قوة فقط بل نسعى لنكون مؤثرين في العالم كله.. هكذا تتحرك مصر ويتحرك المصريين، بنفس الهدف.. عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مشروع مسار العائلة المقدسة مشروع قومي، وقرأ الجميع حجم التنمية المرتقبة من هذا المشروع، تحركت الدولة والمجتمع المدني ورجال الأعمال، كلٌ في مجاله لإحياء وترويج هذا المسار.
واليوم ترصد وطني قصة كفاح جديدة في هذا المجال.. قصة ترويج جديدة على يد رجل الأعمال المهندس جورج عياد رئيس منظمة الجاليات المصرية بالخارج، فمن خلال منظمته سعى لجلب وفود سياحية لزيارة مصر وبعض نقاط مسار العائلة المقدسة. وجاء أول وفد إلى مصر في يناير الماضي، والوفد الثاني حضر الأسبوع الماضي.
صاحبت وطني زيارة الوفد الثاني في رحلة كانت بها خبرات عديدة منها الثقافي والروحي، فمن الناحية الروحية زار الوفد الإيطالي بعض نقاط من مسار العائلة المقدسة ليتباركوا بالطريق الفريد الذي سار فيه السيد المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار وسالومي هرباً من بطش هيرودس وليحتموا بمصر، وكان علي رأس هذا الوفد السيد دومينيكو دينوتي عمدة ساليمي بصقلية في روما والأب القس عبده رعد راعي كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك بروما، والأب ثيوذوروس داود كاهن بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التقليدية بأمريكا، ومنسقة الرحلة من الجانب الايطالي السيدة جانيت داود غلوريوزو – أستاذة لغة عربية في إيطاليا، والأستاذ باسم سلامة مدير مكتب مؤسسة الجاليات المصرية بروما.
من نقاط مسار العائلة المقدسة الهامة التي زاروها، منطقة وادي النطرون، حيث الأديرة الأربعة – دير الأنبا بيشوي ودير السريان ودير البراموس ودير أبو مقار
بدأت زيارتهم بدير الأنبا بيشوي وهو الدير الذي ينتمي إليه البابا تواضروس الثاني كما أخرج ثلاث بطاركة للكنيسة الارثوذكسية. وكان في استقبالهم رهبان الدير، وتجولوا معهم بالدير ليشاهدوا الأماكن الأثرية العديدة بهذا المكان والذي يمثل أحد الأديرة التي بنيت في منطقة مسار العائلة المقدسة، حيث مرت العائلة من ألفين عام في برية شيهيت. وشرح الأباء للوفد تاريخ الرهبنة وتاريخ الدير، ثم تجولوا في الدير وزاروا الكنيسة الأثرية وشاهدوا باب الهيكل الأثري ورفات وأجساد الرهبان القديسين القدامى. كما زاروا مقر مدفن البابا شنودة الثالث الذي شُيد وقت نياحته عام ٢٠١٢ وزاروا أيضا الحصن الذي كان يختبئ فيه الرهبان وقت هجوم البربر عليهم. وأبدى الوفد سعادتهم بالدير وحياة الرهبان فيه، وقالوا انهم شعروا بروحانية شديدة بالمكان.
وفي دير السريان كان في استقبالهم الرهبان بالترحاب وشرحوا لهم أثار الدير حيث توجهوا إلى الكنيسة الأثرية من القرن السابع وشاهدوا باب النبوات الذي به رموز لحال الكنيسة من وقت المسيح حتى الأن وإلى يوم القيامة والجداريات المكتشفة حديثاً، وأخيراً تباركوا بمغارة الأنبا بيشوي.. ثم زاروا شجرة مار اڤرام السرياني من القرن الرابع التي كانت عصا القديس اڤرام السرياني حيث ظهرت بها فروع وأثمرت ومازالت مثمرة حتى الأن.
وأخر زيارة بمنطقة وادي النطرون، كانت بدير أبو مقار، حيث رحب بهم راهب من الرهبان وشرح لهم باللغة الإيطالية معنى الرهبنة وروى لهم مراسم التحول من رجل علماني إلى راهب وكيف يموت الراهب عن العالم ويكون له إسم جديد ووضح لهم طبيعة العيش في الأديرة وكيف ينقسم وقت الراهب بين العبادة والعمل، ثم تجول معهم في الدير وشاهدوا الكنائس الأثرية والمائدة الأثرية.
ومن نقاط المسار في منطقة المعادي، كنيسة العذراء مريم، بمشهدها الخلاب على النيل، قابلهم أبونا أكليمندوس كاهن الكنيسة وشرح للحجاج ذخائر الكنيسة وفِي جولة بالكنيسة الأثرية شاهدوا الأيقونات الأثرية والإنجيل المفتوح العائم فوق المياه علي الآية التي تقول “مبارك شعبي مصر” والأيقونة الشهيرة عن مراحل حياة العذراء مريم. كما زار الوفد أيضا السلم الأثري المؤدي إلى النيل لمعايشة تاريخ كيف بدأت العائلة المقدسة رحلتها للصعيد بمركب في النيل من هنا، وكذلك مر الوفد بالسرداب الأثري.
ومن أهم نقاط مسار العائلة المقدسة التي تجسد تلاحم النسيج الوطني المصري، هي نقطة مصر القديمة عند مجمع الأديان، لأن في هذا المكان يوجد المعبد اليهودي والكنائس الأثرية والمساجد فكلها مباني بجوار بعض تؤكد أن النسيج المصري لا يمكن فصل الحضارات فيه عن بعض وهذا ما شكل النسيج الوطني المصري ونمى فيه الشعب المصري.
زار الوفد المتحف القبطي، هذا المبنى ذو الأسقف الخشبية الجميلة والمشربيات، وتجولوا وسط الأثار القبطية من أحجار ومنسوجات وأيقونات وجداريات وقطع فريدة وجواهر وكتب ومخطوطات، واستمعوا إلى شرح وافي عن تلك الحضارة الغنية.
وفي مجمع الاديان، أيضا تجولوا في الكنيسة المعلقة وسمعوا شرح تفصيلي عن تاريخ انشاءها ومراحل ترميمها ولماذا سميت بـ “المعلقة” حيث أنها بنيت على برجين من أبراج الحصن الروماني الذي بناه الإمبراطور “تراجان” في مطلع القرن الثاني الميلادي، وشاهدوا أيضا كل الزخائر الأثرية القبطية بها من أحجبة الهياكل المصنوعة من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف ويرجع للقرن الثاني عشر، أيضا الأيقونات الأثرية التي يصل عددها تسعين أيقونة والإنبل الرخامي المحمول على مجموعة أعمدة رخامية داخل صحن الكنيسة، ويرجع إلى القرن الرابع عشر وبه قطعة رخامية ترجع إلى القرن السادس، وكذلك العمود الذي ظهرت عليه العذراء مريم للأنبا إبرام لإرشاده وقت معجزة نقل جبل المقطم في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
وبعدها توجهوا إلى كنيسة مارجرجس للروم الأرثوذكس التي أبهرتهم بشكلها الهندسي وطرازها الروماني الذي يحاكي كنائس بيت لحم. الكنيسة تقف فوق أحد أبراج حصن بابليون منذ أكثر من 13 قرن، ووصفها المقريزي قديماً بأنها أجمل كنائس ذلك الحصن الروماني.
ثم زاروا كنيسة أبو سرجة والمغارة الأثرية التى توجد أسفل مذبح الكنيسة واكتسبت أهميتها من أنها كانت المحطة التى استقرت فيها العائلة المقدسة أثناء دخولها وخروجها من أرض مصر.
أثناء وجودهم بمصر، وبجانب إهتمام هذا الوفد بالمزارات الدينية المتعلقة بمسار العائلة المقدسة إلا أن برنامج الرحلة لم يخلو من الزيارات الثقافية، فشاهدوا الحضارة الفرعونية من خلال زيارتهم للمتحف المصري بالتحرير ثم توجهوا إلى أهرامات الجيزة وأبي الهول، وهناك عبروا عن انبهارهم بحقيقة حجم الأهرامات التي طالما تمنوا أن يزوروها ومهما شاهدوها في الصور لم يكن في مخيلتهم حقيقة حجمها وعظمتها.
ولم تخلو رحلتهم أيضا من روائع الحضارة الإسلامية حيث زاروا قلعة صلاح الدين وجامع عمرو بن العاص ثم تجولوا في منطقة الحسين وشاهدوا الكثير من ملامح العصور الوسطى بمنطقة خان الخليلي.
صرحت السيدة جانيت داود، إحدى أعضاء الوفد، لوطني، بأن من الضروري جدا إستعادة جلب السواح إلى مصر، لذلك نحن حريصون للقدوم لمصر وللتبادل السياحي والثقافي بين الشعب المصري والشعب الإيطالي لأن الشعب المصري بطبعه منفتح ولديه الإستعداد لتقبل الأخر. أمور سياسية كثيرة جعلت الناس تخاف للقدوم إلى مصر لكننا نسعى لطمأنة كل من حولنا حتى يتأكد الجميع أن مصر هي البلد المضياف وأن بها تاريخ وحضارة وأصل يستحق المشاهدة، ويجمعنا أيضا كشعوب العالم مع مصر وجود العذراء مريم والسيد المسيح في أرضها، فالله اختار مصر لتكون مؤطئ للسيدة العذراء لذا نأتي إليها لنتبارك بهذا المسار المبارك.
في تصريح خاص لوطني أيضا، قال الأب عبده رعد راعي كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك بروما: “أتينا من روما مع بعض الأصدقاء الإيطاليين إلى هذه الأرض المقدسة – إلى مصر لكي نسير مع العائلة المقدسة. هذا المشروع الرائع – مسار العائلة المقدسة، نحتاج للتأمل فيه في مجتمعنا في هذه الأيام، خاصة وأن العائلة هي أساس حياتنا جميعاً، والعائلة في المجتمعات الأوروبية مهددة، فيمكن من مصر أن نحمل رسالة روحية وإجتماعية وإنسانية من العائلة المقدسة – يسوع ومريم ويوسف – لكي نؤكد من جديد أهمية وضرورة العائلة في كل المجتمعات، لأن حول هذه العائلة المسيحية تُبنى عائلاتنا وحول هذه العائلات المسيحية نبني المجتمع ونبني الوطن الذي يليق بنا كأبناء الله وولنكون جزء من هذه العائلة الكونية الإنسانية التي يريدها الله مقدسة.
وإنني فرح جداً بزيارة الأديرة بوادي النطرون والأماكن المقدسة بالقاهرة أيضا، فالعائلة المقدسة تحركت في هذا المسار من فلسطين إلى مصر، وبالطبع كان هناك محطات مهمة في حياة هذه العائلة وهذه المحطات في أرض مصر حتى أصبحت إرث روحي مهم، وعلى كل إنسان من مختلف الأديان أن يقوم بزيارته لكي يتعلم كيف يثبت أمام الصعوبات بقوة الله، ومن هنا نعرف أن العذراء مريم والسيد المسيح والقديس يوسف عاشوا في صعوبات في حياتهم..
ولاشك أيضا أننا نفكر في ملايين البشر الذين ينزحون بسبب الحروب والخوف، السيد المسيح أيضا نزح بسبب الخوف، فهذه العائلة المقدسة كانت في حالة من القلق والخوف، أين تذهب وإلى إين تهرب، ومصر كانت أرض الاستقبال، أرض السلام، وأرض الهدوء والطمأنينة، هذه الأرض التي أعادت للعائلة المقدسة لذة الحياة وفرحة الحياة.. وعندما زال الخطر عادت هذه العائلة إلى فلسطين.. وهذه رسالة أيضا، فكل إنسان يجب أن يعود إلى أرضه بنعمة الله وبقوة الله وسلام الله ولاشك أن دول كثيرة في المنطقة تعاني من الصعوبات ومن النزوح فنتمنى ونطلب من الله أن يكون مسار تلك الشعوب مقدساً وميسراً ونطلب من الله في كل كنيسة على مسار العائلة المقدسة أن يعود كل نازح وكل مهجر إلى بيته ووطنه لأن مشيئة الله أن يعيش الناس معاً بسلام، ويعود كل إنسان ليبني حضارة المحبة في قلبه وفي قلوب الأخرين وهكذا نبني معاً الملكوت السماوي.