وأخيرا تحققت الرؤيا التي كنا نحلم بها -نظير جيد وأنا- وهي رسامة أساقفة ومطارنة من رهبان مدارس الأحد, وقد كان. فإثر رسامة الأسقفين العامين الأنبا صموئيل والأنبا شنودة (نظير جيد) في عصر يوم السبت الموافق 29 سبتمبر 1962 انتدب قداسة البابا كيرلس الأنبا يوأنس مطران الخرطوم للصلاة لتقليد الأنبا صموئيل والأنبا يوأنس مطران الجيزة لصلاة تقليد الأنبا شنودة, وتم الاحتفال في المعهد العالي للدراسات القبطية حيث تمت صلاة تقليد الرسامة للأسقفين. وبعد ذلك توالت رسامة أساقفة من رهبان مدارس الأحد: الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسة, الأنبا يوأنس أسقف طنطا والغربية, الأنبا أرسانيوس أسقف المنيا, الأنبا باخوميوس أسقف دمنهور, الأنبا غريغوريوس أسقف عام, والأنبا بيمن أسقف ملوي.
أما أنا فكنت مهموما بما يمكن تسميته الجيتو القبطي الذي يعني انعزال قبط مصر عن الانخراط في العمل السياسي, وهذا علي الضد من مفهوم المواطنة الذي يستند إلي عقد اجتماعي يبرمه بشر اتفقوا علي تأسيس مجتمع يخلو من أية نكهة طائفية أو دينية إذ الكل مواطنون متحدون من أجل تقدمهم في سياق انفتاح علي مجتمعات كوكب الأرض.
عرضت هذا الهم في البداية علي الأب متي المسكين في عام 1961 إثر صدور القرارات الاشتراكية من الرئيس جمال عبدالناصر, وقد كان إذ حرر سبع مقالات في جريدة وطني تحت عنوان الاشتراكية من وجهة نظر مسيحية. وفي عام 1963 أصدر كتابا بعنوان الكنيسة والدولة ومحوره يدور حول فكرة أساسية وهي أن كبت روح الوطنية نوع من وأد الروح الإنسانية ومحاولة توجيه الإنسان نحو وطنه السمائي علي حساب احتقاره للوطن الأرضي. وفي عام 1967 أصدر كتابا آخر بعنوان ما وراء خط النار في سياق النكسة, إذ قال عنها في ختام ذلك الكتاب: إنها نكسة مباركة أيقظت وعي الشعوب والحكومات ووحدت القلوب علي القلوب والنفس علي النفس.
وفي عام 1964 عرضت هذا الهم أيضا علي الأنبا شنودة عندما التقيته إثر انتهائه من إحدي عظاته التي كان يلقيها مساء بالقاعة الكبري بالأنبا رويس والتي كانت تتسع لخمسة آلاف ومع ذلك فإنها كانت ممتلئة دائما بهذا العدد. دار اللقاء حول الفكرة التي كنت مهموما بها ومفادها إخراج شباب قبط مصر من الجيتو القبطي. وقد جاءت إجابته مقتضبة وحاسمة لو وافقتك علي ما تقول فإن الخمسة آلاف لن يبقي منهم إلا خمسة. وكان هذا اللقاء هو الأول والأخير.
وفي يوم الأحد الأخير من شهر أكتوبر 1971 جاءت نتيجة القرعة الهيكلية التي تحسم الاسم المرشح لكي يكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الأنبا شنودة هو البابا الجديد أو بالأدق هو البابا السابع عشر بعد المائة.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا تبقي من الرؤيا وماذا تبقي من الهم؟