الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي وهبه الله العقل, وبهذا العقل استطاع أن يبدع الحضارة, ويؤسس المدنية, ويحقق التقدم الذي أوصلنا إلي القرن الحادي والعشرين, الملاحظ أنه كلما ابتعد الإنسان عن استخدام العقل أو أهمله أو همشه كلما حدثت مشاكل ومصائب وكوارث تهدد الإنسان بل وتنذرها بالفناء والنهاية, هكذا العقل نعمة ونقمة للإنسانية. من هنا قدم لنا الفيلسوف الألماني الأشهر: [عمانويل كانط Kant] 1724 ـ 1804م نصيحة.
كن شجاعا واستخدم عقلك..
فعدم استخدام العقل هو مأساة الإنسانية وسبب كل مصائبها وكوارثها. كذلك استخدم العقل في الشر أو اللاعقل أو المصالح الشخصية المادية الضيقة ينشر الظلم والحقد والبغض والكراهية والتفرقة بين الناس.
المقولة التي نرددها دائما دون أن نعيها أو نعمل بها وهي التي تقول: العقل زينة.. هي مقولة صحيحة تماما لأن العقل فعلا هو زينة الإنسان, وزينة الحياة أيضا لأن الحياة دون عقل هي فوضي, وقد عرف ذلك نوابغ العرب وشعراؤهم ألم يقل أبو العلاء المعري: لا إمام ألا العقل.. ومن أقولا الجاحظ: الحواس تخطئ وتضل وما الحكم والقطع إلا للذهن, وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل..
احترام العقل أن نستخدمه في كل شيء في حياتنا حتي يكون المصفاة التي نغربل بها كل أعمالنا ومعلوماتنا فنشعر بعد ذلك بأننا نستحق أن نكون من الأسرة الإنسانية. الذي يتأمل حياة المصريين في السنوات الأخيرة يجد أنهم أعطوا العقل إجازة! أو أهملوه! ولم يعد موجودا في حياتهم وفي تصرفاتهم وأعمالهم بعامة! وإلا قل لي بالله عليك: كيف يلقي أب بأطفاله في النيل؟ وكيف تذبح زوجة زوجها بمساعدة صديقها؟ وعلي الجانب الآخر كيف يذبح أب زوجته أمام أبنائهما؟ وكيف يقتل شاب صديقه من أجل ثمن الموبايل؟ وآخر يقتل شابا لأنه تجرأ وعاكس صديقته؟
القتل أصبح سهلا ميسورا وذبح الإنسان أصبح أسهل من ذبح الدجاجة أو البقرة! أين عقل هؤلاء وكيف طاوعهم علي إرتكاب جرائمهم؟ أين عاطفة الحب المقدس التي تربط بين الأسرة الإنسانية. الأمومة والأبوة والبنوة؟. لقد فقد هؤلاء عقلهم تماما, وأصبحوا حيوانات غير أليفة. ونحن هنا نتكلم عن أشخاص أسوياء أساسا وليسوا مجانين!.
تصور رجلا تزوج بامرأة فاضلة فأنجبت له بنات جميلات لكنه طلقها لأنه يريد صبيانا وهو لا يعلم أن مسألة إنجاب بنات تخصه هو, فهو الذي يحدد جنس الأبناء.
وتصور رجلا آخر تزوج ولم ينجب وعرف أن السبب في عدم الإنجاب منه هو ومع ذلك يتهم زوجته بأنها السبب ويعذبها ويهينها, بل ويرسلها للأطباء والمستشفيات لإجراء عمليات جراحية! وينفق آلاف الجنيهات سدي!
أين عقل هذا الرجل؟ وهو سوي الشخصية وإنما يغفل هذا حتي يكون أمام المجتمع رجلا فحلا سويا, وهو في الحقيقة مجرم. ويرتبط بالإنجاب خرافات كثيرة وحكايات ضد العلم والدين, لكنها منتشرة يستخدمها حتي المتعلمين ـ للأسف ـ مثل الأحجبة والزار والأعمال السحرية, وزيارة القبور, وغيرها من أعمال لا تتفق مع العقل والمنطق, وبدلا من الذهاب إلي الطبيب لمعرفة سبب تأخر الحمل نذهب إلي المشعوذين والجهلة والأفاقين, ونصرف آلاف الجنيهات بسبب الجهل! الغريب والعجيب في نفس الوقت أن القنوات الفضائية التليفزيونية تشجع الشعب علي ذلك, علي الذهاب لهؤلاء الدجالين النصابين, وهي بمالها من سطوة علي السادة المشاهدين فهم يصدقونها علي الرغم من وقوعها في الخطر الحقيقي في تشجيع الجميع علي صدق هؤلاء الدجالين الذين يستغلون الدين والإيمان بالله في هذا الهراء!.
تطل علينا إعلانات من الفضائيات تقول: وصل إلي مصر الشيخ العلامة في أمور السحر والأعمال السفلية الشيخ فلان قادما من المغرب, وهو في انتظار كل صاحب مشكلة وبخاصة الإنجاب وعدم الوفاق الزوجي وكل أمورك النفسية, وله جمهور كبير حقق معهم سادتهم وحل مشاكلهم..
قدمت إلي مصر الشيخة الفلانية من اليمن وهي تقرأ الطالع وتفسر كل أحلامك وتحل كل كل مشاكلك!! ويذهب الجمهور الساذج, أصحاب المشكلات الكثيرة بحثا عن حل لمشاكلهم, ونسي الجميع أن هناك أطباء نفسيين يمكن اللجوء إليهم لحل مشكلاتهم بطريقة علمية تتفق مع العقل والعلم, وتوفر المال الكثير الضائع الذي يطلبه الدجالون والمشعوذين, ثم هناك أيضا رجال الدين الأجلاء المؤمنون فعلا في كل دين, وهم علي قدرة بحل المشاكل الأسرية الاجتماعية والشخصية بعيدا عن الدجل والخرافات وأعمال إبليس اللعين وغيره.
لقد خلقنا الله العظيم علي أحسن صورة وخلق لنا إمكانات جسدية ودنيوية وبيئية رائعة يمكن أن نستخدمها في حل مشاكلنا, لكننا لم نختبرها أن نتعامل معها, ثم خلق لنا أولا وقبل كل شيء العقل الذي به نستنير في حياتنا, وهو الذي يهدينا إلي الخير والحق والسعادة, ولكن أهل الشر للأسف يستخدمون هذا العقل في الضحك علينا, واستغلال طيباتنا وإنسانياتنا, ويوهموننا بأنهم يحلون لنا مشاكلنا, وفي نفس الوقت هم يزيدون مشاكلنا ويستغلونها ويسرقون أموالنا باسم الدين والعلم الزائف والنصب والاحتيال.
ألم يأت الوقت حتي توقف الفضائيات التليفزيونية هذه الإعلانات الجاهلة النصابة التي تدعو إلي التعامل مع الدجالين والمشعوذين؟ أرجو ذلك..
يرتبط أيضا بالقنوات الفضائية التليفزيونية مصيبة أخري هي الدعاية الدوائية, عشرات أنواع الأدوية تتحدث عنها هذه الفضائيات. دواء للقلب والنشاط الجسمي, وبخاصة الجنسي والشيخوخة وألم المفاصل والقدم وغيرها وتسمع كلمات أن هذا الدواء هو أحدث ما عرفته أمريكا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وقد ثبت نجاحه بنسبة 80% وأكثر. والواقع أن هذا الدواء مجهول المصدر وثبت فعلا أن بعض من تناوله فقد حياته في الحال!
نحتاج لأن تقف الفضائيات التليفزيونية وقفة جادة مع نفسها وتستخدم العقل والعلم وتلغي كل الإعلانات المشكوك فيها والتي تقتل الأبرياء في كل مكان.
ثم لماذا لا تتدخل وزارة الإعلام في إنقاذ الناس من هذا الشر القاتل الجاهل وتوقفه؟!
العقل وليس غيره الذي يزين حياتنا, ويحقق سعادتنا, ويرشدها إلي الطريق المفيد الصحيح من أجل حياة خالية من الجهل والخزعبلات والغيبيات التي ساهمت في تأخرنا جدا جدا.