تخضع كل الكائنات الحية لتصنيفات القبح والجمال: البشر، الحيوانات، الحشرات، الأسماك. فهل هذا ينطبق على الأشجار؟ وبعبارة أخرى، هل توجد شجرة قبيحة؟ ربما لا يستحسن البعض نوعا من معينا من الأشجار، ولكن يصعب أن نجد من يرى قبحا فى الأشجار، فقد تكون الوحيدة من بين كل ما هو حي التي نصنفها داخل دائرة الجمال ولاستحسان، أي على مقياس الجميل والأجمل.وكل الكائنات تفقد جمالها بالموت، إلا الأشجار فقد تقف كشاهد على ماضيها وماضينا. وقد تتشابه الكائنات، فهل توجد شجرة تشبه أخرى؟ ربما يعتقد البعض أن الأشجار التي هي من نفس النوع تتشابه، ولكن عندما نتأملها نجد أنها تختلف فى تشابهها،فكل واحدة تُبدع خصوصيتها وتفردها بالأغصان والأوراق، وإذا أردنا لها التشابه فعلينا أن نقلمها لنحظى بتشابه مؤقت. الأشجار هى الحياة تحت الأرض وفوقها فى اللحظة ذاتها، هي رفيقة عناصر الحياة الأربع: الماء والهواء والتراب، وأخشابها وقود النار، وهي المقدس والمحرم، والجاف والرطب، والحى والميت، والقوة واللين، وهي التي عندما تجتمع تكون رئة الحياة على الأرض.
وكانت الأشجار دائما ملهمة الفنانين والأدباء، وهي روح الأديان، فهي التي ترسم حدودنا البشرية من شجرة آدم وحواء، وحتى سدرة المنتهى في السماء. ويصف الكاتب محمد جبريل الشجر في كتابه “مصر المكان”، فيقول: “الشجرة موجودة في كل الأديان، فهي أحد مصادر الحياة للفرد، ومن النادر أن نجد موضعا مقدسا، أو مكانا لأحد الأولياء يخلو من شجرة.. جاء المخاض مريم تحت شجرة. وحين جاءت بالمسيح إلى مصر فقد نزلت به عند شجرة. وتلقى الرسول (ص) بيعة المسلمين تحت شجرة. وأكل آدم من الشجرة المحرمة.. وكأن الإله “توت” رب الحكمة والمعرفة عند المصريين القدامى، سميت باسمه شجرة التوت..”.
وترتبط الأشجار بالبراح والظلال والمواعدة والاستراحة من عناء السفر، وعندما يرى راحل في الصحراء شجرة بين الرمال فكأنه رأي الحياة، فهي الواحة ونبع الماء. وفي الثقافة الشعبية عندما نتمتدح شخصا نقول أنه/ا من “شجرة طيبة”، والشجرة أنثى الخصب والنماء، وهي في قلب الدعاء لمن هن مقبلات على الزواج: “ربنا يجعلك شجرة تطرح وتملا المطرح”. ومن التشبيهات العنيفة في الثقافة الشعبية، المثل القائل: “الشجره اللي ما تظلل أهلها تستاهل القطع من جذرها”. الشجرة تفعل الكثير وهي في مكانها لا تتحرك.
وإذا كان جمال الأشجار هو سبب حبنا لها، فإن استقرارها هو سبب الإطمئنان وعدم الخوف منها. فحن نخشى الكائنات والأشياء التي تتحرك، فالحركة تثير القلق والمخاوف، والأشجار لا تتحرك ولا تتخفى. فنحن نخشى الجن والعفاريت لأنها الأكثر قدرة على الحركة والتخفى، ونخشى البشر وآلاتهم بسبب الحركة، وإذا زادت حركتهم نصفهم بأنهم عفاريت (ما عفريت إلا بنى آدم)، والحركة السريعة نسميها “عفرته”. وقد يصاب البعض منا بمرض الخوف من الحيوانات (أو رهاب الحيوانات Zoophobia) وهو خوف لا يقتصر على الحيوانات المفترسة أو الحشرات السامة بل يشمل كذلك الحيوانات الأليفة. ومع ذلك لا يوجد مرض مماثل للخوف من الأشجار أو النبات عموما. أننا نخشى بعض الأشجار أحيانا ليس لأنها مخيفة، ولكن لأنها قد تأوى كائنات تتحرك. وثبات الأشجار رمز الاستقرار وفى الاستقرار اطمئنان وسكينة، وحتى إن كنا نعشق الحركة والترحال، فإننا دائما نحلم بالاستقرار، أو على الأقل الاستراحة فى ظل مكان نحبه، وقد يكون شجرة.
إننا لا نخشى الأشجار لأننا نأمن جانبها، ليس فقط لأنها تعطى ولا تأخذ، ولكن ربما يكون السبب الأهم هو أنها لن تتركنا وترحل، فنحن نخشى الهجر، وكل ما يتحرك يمكن أن يتركنا ويذهب، أما الأشجار فهى مستقرة، وإذا لم تكون ضحية اعتداء بشرى، فهى تظل فى مكانها تنتظر عودتنا عندما نرحل. الأشجار لا ترحل، ولكنها تموت وتذبل على أيدى البشر من أجل “حضارة” تقدس الكتل الأسمنتية والأعمدة المعدنية، فهى تُغيب ومعها يغيب الإحساس بالجمال.