صوم الشعب كله:
ويدخل في العبادة الجماعية [هو غير الأصوام الخاصة].
فيه تجتمع كل قلوب الشعب معا, في تذلل أمام الله.
وكما اعتاد الناس أن يصلوا معا بروح واحدة, وبنفس واحدة, في صلاة جماعية يقدمونها لله [اع 4:24]. وهذه غير الصلوات التي في المخدع المغلق, كذلك في الصوم.
هناك أصوام جماعية, لها أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس:
يشترك فيها جميع المؤمنين معا, بروح واحدة, يقدمون صوما واحدا لله. إنه صوم للكنيسة كلها…
ولعل أبرز مثال له الصوم الذي صامه كل الشعب لما وقع في ضيقة أيام الملكة إستير حتي يصنع الرب رحمة [اس 4: 16,3]. وصام الجميع بالمسوح والرماد والبكاء, وسمع الرب لهم وأنقذهم.
وكما صام الشعب كله بنداء عزرا الكاهن علي نهرأهوا متذللين أمام الرب [عز 8: 23,21], كذلك اجتمعوا كلهم بالصوم مع نحميا وعليهم مسوح وتراب [نح 9:1].
وكذلك صام الشعب أيام يهوشافاط [2 أي 20:3].
ويحدثنا سفر أرمياء النبي عن صوم الشعب في أيام يهوياقيم يوشيا [أر 36:9].
وصوم آخر جماعي في أيام يوئيل النبي (يوئيل 3:5].
ومن الأصوام الجماعية أيضا صوم الشهر الرابع, وصوم الخامس, وصوم السابع وصوم العاشر [زك 8:19].
والصوم معروف في كل ديانة. وقد صام الأمم…
صوم الأمميين أيضا:
ولعل أبرز مثال له صيام أهل نينوي [يون3]. وكيف أن الله قبل صومهم, وغفر لهم خطاياهم.
وكذلك صوم كرنيليوس قائد المائة [أع 10:30]. وكيف قبل الله صومه, وأرسل إليه بطرس الرسول الذي وعظه وعمده.
ويحدثنا العهد القديم عن صوم داريوس الملك أثناء تجربة دانيال النبي, وكيف بات صائما, ولم يؤت قدامه بسراريه [دا 6:18].
الصوم معروف في كل ديانة, حتي الديانات الوثنية والبدائية. مما يدل علي أنه معروف منذ القدم قبل أن يفترق الناس.
والذي يقرأ عن البوذية والبراهمية والكنفوشيوسية, وعن اليوجا أيضا, يري أمثلة قوية عن الصوم, وعن قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها. والصوم عندهم تدريب للجسد والروح أيضا.
وفي حياة المهاتما غاندي الزعيم الروحي الشهير للهند, نري الصوم من أبرز الممارسات الواضحة في حياته. وكثيرا ما كان يواجه به المشاكل. وقد صام مرة حتي قال الأطباء إن دمه بدأ يتحلل…
وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات الروح…
هذه الطاقة الروحية التي كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد, وقد عاقها الجسد عن الظهور, ولم يتكشفوها إلا بالصوم….
ويري الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حالة [النرفانا] أي انطلاق الروح من الجسد للاتحاد بالله, لا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد والزهد والصوم…
وهكذا نجد أنه حتي الروح البعيدة عن عمل الروح القدس, التي هي مجرد روح تنطلق من رغبات الجسد ومن سيطرته, بالتدريب, تكون روحا قوية, تصل إلي بعض طاقاتها الطبيعية, فكم بالحري الروح التي إلي جوار هذه القوة الطبيعية تكون مشتركة مع روح الله…؟
الصوم هبة:
وإن عرفنا فوائد الصوم, نجد أنه هبة من الله.
نعم, ليس الصوم مجرد وصية من الله, إنما هبة إلهية. إنه هبة ونعمة وبركة أن الله الذي خلقنا من جسد ومن روح, إذ يعرف أننا محتاجون إلي الصوم, وأن الصوم يلزم حياتنا الروحية لأجل منفعتها ولأجل نمونا الروحي وأبديتنا, لذلك منحنا أن نعرف الصوم ونمارسه. وأوصانا به كأب حنون كمعلم حكيم.
والصوم سبق كل نعمة وخدمة
كل بركة يقدمها لنا الله. نستقبلها بالصوم, لكي نكون في حالة روحية تليق بتلك البركة.
الأعياد تحمل لنا بركات معينة. لذلك كل عيد يسبقه صوم.
والتناول يحمل لنا بركه خاصة لذلك نستعد لها بالصوم.
والرسامات الكهنوتية تحمل بركة. لذلك نستقبلها بالصوم.
فالأسقف الذي يقوم بالسيامة يكون صائما, والمرشح لدرجة الكهنوت يكون أيضا صائما, وكذلك كل من يشترك في هذه الصلوات.
واختيار الخدام في عهد الآباء الرسل كان مصحوبا بالصوم: ففينا هم يخدمون الرب ويصومون, قال الروح القدس أفرزوا لي برنا وشاول… فصاموا حينئذ وصلوا, ووضعوا عليهما الأيادي [أع 13: 3,2].
والصوم أيضا يسبق الخدمة
والسيد المسيح قبل أن يبدأ خدمته الجهارية, صام أربعين يوما, في فترة خلوة قضاها مع الآب علي الجبل.
وفي سيامة كل كاهن جديد, نعطيه بالمثل فترة أربعين يوما يقضيها في صوم وفي خلوة, في أحد الأديرة مثلا, قبل أن يبدأ خدمته.