قصتي مع تربية الأبناء لا تختلف كثيرًا عما يختبره أي أب أو أم لا يعتقدان مثلي بصحة قول جدات الماضي: “قال متربي.. قال من عند ربي!” فالزمن قد تغير، ومَنْ يريد أن يُربي لا يجب أن ينتظر حتى يُفاجأ بما لا يتوقعه؛ فالتربية ليست حقل تجارب، لكنها تجربة حياة تحتاج للمعرفة وحكمة التطبيق. والواقع أن الذي لا تعرفه ستستمر تجهله ما لم تجتهد لتتعلمه، والعبور من المعرفة إلى التطبيق ليس سهلاً؛ فلابد من الفشل مرة ومرات. لكن المهم أن نتعلم من أخطائنا لنتجنبها؛ فليس بالحب وحده يمكن أن نربي أبناء يكبرون أصحاء في كل شيء، وناجحينيسلكون بالحق.
ربما من أكثر المراحل العمرية التي يكون لأخطاء التربية خلالها تأثير يعوق تطور شخصيات أبنائنا هي فترة المراهقة. فبدون مقدمات يتغير الأبناء؛ فنجد أن الابنة لا تلجأ إلينا عندما تُجرح مشاعرها، أو تشعر بالإحباط كما كانت تفعل من قبل. أما الابن الذي كان يحلو له أن يلعب معنا ومن حولنا، فنجده يتفنن في الالتفاف حول قواعد «حظر التجول» التي كانت تلزمه بالرجوع مساءً إلى البيت في موعد نحدده له! لا يوجد أب لا يغيظه تحدي ابنه المراهق لسلطانه، ولا أعرف أمًا لا يزعجها محاولات ابنتها اختبار صبرها حتى يكاد ينفذ.. ناهيك عن تقلب المزاج، والميل للانعزالية، والإصرار على سرية التواصل مع العالم الخارجي. لكن كل هذه التغيرات والسلوكيات غير المتوقعة، وإن جعلتهم يبدون كالأغراب في أعيننا، إلا أنها لا تغير من حقيقة أنهم لايزالون أبناءنا، وما علينا إلا استيعابهم بالقبول والحب غير المشروطين، والاجتهاد لتجنب الأخطاء التربوية التي تعيق انطلاقهم بثقة لمرحلة الشباب واالنضج.
فترة المراهقة لها سمعة سيئة بصفة عامة بين الآباء، وأحد الأخطاء التربوية الشائعة أن البعض يعتبرها محنة. وهذا يجعلهم يتوقعون الأسوأ من أبنائهم، غير مدركين أن إحساس المراهق بشك والديه فيه يجعله أكثر عرضة للسلوكيات الخطرة التي يخشيان انجرافه إليها. الأبناء يسلكون كما هو متوقع منهم، وحتى نؤكد لهم ثقتنا في سلوكهم بلياقة لابد أن نستخدم ما نعرفه عنهم من مواضع قوة وضعف عند التواصل معهم، وأن نستثمر كل الأوقات التي تتيح فرص الحوار بيننا من خلال اشتراكنا معهم في أنشطة يحبونها، حتى وإن كنا لا نفهمها أو يصعب علينا ممارستها.
خطأ آخر يقع فيه الآباء هو التدخل في الاختيارات البسيطة التي يجب أن يصنعها المراهقون بأنفسهم، بينما يتجاهلون مناقشة الاختيارات الأكثر خطورة وتأثيرًا على حياتهم ومستقبلهم. نحن لسنا بحاجة أن نتدخل في اختيار ابنتنا لتسريحة الشعر التي ترى أنها تجعلها أكثر جاذبية، أو اختيار لون الملابس التي تفضلها. كذلك لا يجب أن نجبر ابننا على ممارسة رياضة لا تستهويه، أو على صداقة نظنها تحميه. قبل أن نتدخل في مثل هذه الاختيارات علينا أن نفكر فيها من منظور أشمل.. فما يُعبر عن شخصيات الأبناء بشكل أفضل، ويملأهم بالثقة في النفس، لابد أن نترك لهم حرية اختياره، ونتيح لهم فرصة تحمل نتائج ما يقررونه. قد يظن البعض أن حماية أبنائهم من اختبار ألم الفشل أو خيبة الأمل بسبب قرار يتخذونه بأنفسهم و الأفضل لهم، لكن العكس صحيح.. عندما نسلبهم فرصة أن يتعلموا من أخطائهم بينما يعيشون تحت سقف واحد معنا، فإننا لا ندربهم على التعامل مع تحديات الحياة عندما يواجهونها بمفردهم.
متى يجب أن نتدخل؟ عندما نجد ما يُشير إلى أن الابن معرض لتجربة خطيرة مثل تعاطي المخدرات، أو أن الابنة منخرطة في علاقة مع غريب من خلال أحد وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً.. هنا لابد من التعامل في الحال وبشكل مباشر مع الأمر. ولنبدأ في ملاحظة أي تغير غير طبيعي في السلوك، أو مظهر الصحة العامة؛ ولنراجع إن كان هناك تدهور في مستوى التحصيل الدراسي، أو ظهور أصدقاء من خارج الدائرة المعروفة لنا.. لنراقب اختفاء بعض النقود التي اعتدنا أن نتركها متاحة لتسديد ثمن المشتريات التي تأتي إلى باب البيت، ولنفحص ما يُلقى في صندوق القمامة، وما نجده في جيوب الملابس قبل غسلها. لا تتجاهل استغراق ابنتك بمفردها في أحاديث الإنترنت، أو استقبالها لمكالمات تليفونية تفضل الرد عليها وراء باب مغلق.
هذا هو الوقت الذي لابد فيه أن تتحدث معه أو معها بهدوء وبصراحة؛ لتناقش التفاصيل والنتائج المترتبة على السلوك الذي تراه غير مقبول أو خطرًا عليهم. عندما تفعل ذلك اضبط انفعالاتك حتى لا تنطلق كلمات من المدفع الرشاش الكامن في فمك، فتصيبه أو تجرحها بما يصعب شفاؤه. ضع الأمور في حجمها الأقل والطبيعي؛ حتى لا تغلق باب الحوار. وربما من أفضل ما يمكن أن يعبر بكم مثل هذه الأزمة هو الاتفاق على طريقة للمساءلة لا تجعل الابن أو الابنة في موضع شك دائم أمامك، بل تشجعه أن يجيب بصدق عن أي سؤال توجهه له حول سلوك قد يكون في صراع ليتغلب عليه.. هذا ما جربته مع ابنيّ، ونجحت فيه؛ فوقف أكبرهماأمام الناس في حفل زفافه ليشهد أن اهتمام أبويه بتنمية شخصيته كان أكثر ما دعَّم وبنى حياته.. «درب ابنك على مواجهة تحديات الحياة في بداية الطريق، فمتى كبر لا يبتعد عنه» (قراءة شخصية لكلمات أمثال ٢٢ : ٦).
(للمزيد حول موضوع تربية المراهقين، يمكنك زيارة موقعنا:
www.focusonthefamily.me)