نبدأ العام الجديد ببركة الله التي سلمها لموسي النبي:يباركك الرب ويحفظك,يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك.يرفع الرب وجهه نحوك ويمنحك السلام(سفر العدد6:22-27).نتبادل جميعا هذا السؤال المعهود:كيف حالك وحال الدنيا معك؟ أوعامل إيه في هذه الأيام؟ ومعظمنا يقصد به الاطمئنان علي:الصحة والعمل والوظيفة والمال والدراسة…وغيرها,لكن القليلين هم الذين يقصدون به:الحياة الروحية للشخص والقيم الإنسانية والتقدم الروحي والتحلي بالفضائل.
من الممكن أن ننجح في أعمالنا اليومية,لكن للأسف حياتنا الداخلية وعلاقتنا مع الله والآخرين قد تفشل,إذا ونحن في بداية هذا العام الجديد,نستطيع أن نتحقق من هذا السؤال:إيه أخبار الحياة والدنيا؟نحن نثق في كلام الأطباء الذين ينصحوننا بأن نقوم بفحص شامل ودوري علي صحتنا,بعمل أشعات وتحاليل طبية مختلفة,وخاصة عندما يتقدم بنا العمر حتي نتجنب الأمراض المستعصية,ياليتنا نفعل بالمثل في حياتنا الروحية والاجتماعية والإنسانية كلها,ونقلبها رأسا علي عقب,وهذه المهمة تخص كل شخص بعينه.
ونستطيع أن نفحص أنفسنا:هل ازدادت محبتنا عما قبل ولم تعد من أجل المصلحة والمنفعة؟هل تخلصنا من بعض رذائلنا مستبدلين إياها بفضائل؟هل أصبحت صلاتنا مفهومة ولم تعد مجرد ترديد كلام؟هل استطعنا أن نكون مثالا صالحا في المنزل والعمل والمجتمع بأسره؟هل فكرنا بأن العمر يمضي ويقترب بنا إلي لحظة النهاية؟هنا لك ثلاثة عناصر ضرورية ومهمة لاستعادة الحياة.
1-بركة الله في حياتنا:نبدأ السنة الجديدة بهذه البركة,لأنها تأتينا باسم الرب الذي يمنح جميع مخلوقاته هذه النعمة,وهي ليست عملا سحريا ولكنها هبة من الله,كما يجب أن نتفاعل معها ونشعر بها ونقدرها طوال أيام حياتنا,يستطيع كل واحد منا طلب هذه البركة يوميا,كما أن رب الأسرة يمنحها لبيته والتي تعني أنه يضع اسم الله علي أفراد أسرته,كما تعودنا أن نقول لبعضنا البعض:ربنا يباركك.وهذه البركة تظهر لنا وجه الله الحسن والمضيء الذي يمنحنا الأمن والأمان في حياتنا اليومية…هذه البركة تخلق فينا روحا طيبة ووجها بشوشا وشعورا بالغفران الذي نناله من الله كل يوم.
2-خبرة التجديد:نستخدم في لغتنا اليومية هذا التعبير:نقلب الصفحة.ونحن مع بداية العام الجديد نريد أن نغير صفحاتنا الماضية.لكن الخطورة هي أن يصبح كتابنا كما هو وبنفس الصفحات القديمة دون تغيير أو المساس بها.لذلك من الضروري هو أن نبدل الكتاب ونغير المقطوعة الموسيقية.ومن المحتمل أن نحتاح إلي تبديل الشخص ذاته الذي يقلب الصفحات حتي يصير هو نفسه جديدا متجددا ومختلفا.من منا لم يردد هذه العبارة مع بداية العام الجديد:أتمني أن يكون العام الجديد أفضل من المنصرم لأننا مللنا وضجرنا من العام الماضي,لكن الحقيقة هي خلاف ذلك,لأن العام القديم لم يصنع شرا تجاهنا,ولكننا نحن الذين أسأنا التصرف تجاهه,كما أننا لم نكن مخلصين تجاه الفرص الذهبية التي كانت في متناول أيدينا وبددناها.
لايكفي أن نهنئ الآخرين بعبارة:أتمني لكم عاما جديدا وسعيدا,ولكن أن نهنئ العام الجديد بأناس طيبين ومخلصين وأفضل.العام الجديد ليس لديه الرغبة في أن يعيد الماضي بسلبياته ومشاكله وسيئاته أو أن يكرر أخطاء سابقة,لكنه يريد أن يصبح جديدا وناصعا,سيتم كل هذا إذا رغبنا نحن في ذلك بالتعاون مع العام الجديد بفكر جديد وروح جديدة.
3-نحن مدينون للعام الجديد:كثيرون هم الذين يكررون هذه العبارة:أتمني من العام الجديد أن يهديني ويمنحني…ولكن من منا سأل نفسه:ماذا سأقدم للعام الجديد؟ لايكفي أن نطلب ونأخذ,ولكن يجب أن نعطي أيضا.كثيرا ما نوجه أصابع الاتهام للحياة لأنها لم توفر لنا ما نريده ولم توف بوعودها,وكانت بخيلة وسيئة معنا.
هل نحن كنا ملتزمين تجاه الحياة بكل احترام؟كيف تعاملنا معها؟كم من المرات أضعنا الوقت والصحة والمواهب والفرص والصداقة والأشخاص الذين نتقابل معهم كل يوم؟كل نهار يسطع علينا بأنواره هو:نعمة حياة دافئة تنفجر في كياننا,وميلاد عزيمة جديدة للقيام بواجباتنا,ومغامرة فريدة بين الناس لازدياد خبرتنا,وفرصة سانحة لاستكمال نضوجنا ولبنة جديدة في صرح شخصيتنا وتقرير مصيري لمستقبل حياتنا.ونختم بالمثل الإيطالي:من أحسن البداية,بلغ منتصف الطريق.