لحظة واحدة.. فلنعد إلي الوراء قليلا ولنعد صياغة السؤال: هل نحن مجتمع يتقبل الآخر؟ هنا تصبح الإجابة أكثر واقعية, حتي وإن بدت أقل منطقية.
ولتتسع دئراة النقاش أكثر, فلنسأل أنفسنا: ما فكرتنا عن حقالآخر في الوجود أصلا؟
الغريب هنا.. أننا كمصريين استقبلنا, علي مدار تاريخنا الأطول في عمر البشرية, الكثير من أبناء الشعوب الأخري الذين حضروا إلي أرض مصر بغرض الهجرة, أو الاستجارة بها, أو حتي الغزو, كثير من هؤلاء استقروا فيها ولم يخرجوا, أحبوا شعبها واستكانوا إلي أرضها حتي أصبح من الشائع القول إنإللي يشرب من مية النيل لازم يرجع لها تاني و تطبع هؤلاء بطباع المصريين, وأصبح من المعروف عن كل من يعيش في مصر أنه يتحول إلي مصري بمرور الوقت, لكن.. هل يعني هذا أننا نتقبل الآخر؟
توحي الشخصية المصرية بالكثير من التسامح, لكنه وياللغربة لا يعني بالضرورة قبول الآخر وهذه مفارقة لافتة للنظر بشكل كبير, فنحن قد نتسامح مع الآخر الغريب, لكننا نرحب بوجودة بيننا شريطة أن يتحول إلي نسخة مكررة منا!
إذن فنحن أمام شعب متسامح لكنه لايقبل الاختلاف, فهل تسبب هذا في مشاكل؟ بالتأكيد حدث, فالحياة في مجتمع يرغب أفراده في أن يكونوا نسخا مكررة من بعضهم البعض يخلق بيئة مناسبة للمشكلات والاشتباك طوال الوقت, وحين ذهبت عن هذا المجتمع صفته الكوزموبوليتانية والتي اقترنت به لفترات طويلة, أصبحالآخر هو الجحيم هو الخطر الذي يجب التخلص منه فور تواجده, وهو أمر لايتفق مع شروط الحياة في العالم الجديد بشكل واضح.. يجب علينا كمجتمع أن نعترف بوجود المشكلة ثم نتحرك نحو حلول بكل قوة وبمصارحة للنفس, نحن ننجب أجيالا تطلع علي ثقافات العالم الآخر لكننا نغذيها بكره هذا الآخر! والنتيجة, أن يرد لنا الآخر مشاعر الكره والرفض.
فجوة كبيرة بين تعليم يستخدم مناهج أجنبية, ولغات عدة, وبين تفكير جامد يري أن للحقيقة وجها واحدا وبالطبع هو الوجه الذي يراه كل من زاوية قناعاته ومصالحه.
لم يتراكم انعدام قبول الآخر بين يوم وليلة, بل هو ميراث سنين من تهربنا من المواجهة مع سلبياتنا, وهو أحد عيوب الشخصية المصرية علي مدار تاريخها ثم ظهر الخطر في السنين الأخيرة مع ارتفاع المد الإرهابي الذي ينكر وجود الآخر من الأساس, إرهاب فكري نتاج سلبيات في التفكير, وتراث جامد وغياب الاختلاط الفعال مع الحضارات والثقافات المتنوعة والمتعددة, ولم ينجم عن ذلك صدامات سياسية أو فكرية فحسب بل انعكس ذلك علي الحياة اليومية, كل يري الأمور من زاويته ولا وجود لوجهات النظر الأخري وظهر ما أصبح يعرف بـالتنمر قسوة شديدة صارت تسود تفاصيل الحياة في مجتمعنا ربما أن ذلك يتجلي أكثر في المدن الأكبر والأكثر ازدحاما, مع غياب شبه كامل للقيم المصرية الأصيلة نتاجا لأزمات كثيرة, فما عادالمعلم مربيا يغرس القيم بعد أن غابت عنه هو نفسه وبعد أن ارتبكت رؤيته عن نفسه وعن دوره, غاب التواجد الحقيقي للأم والأب بعد أن صارواماكينات لتوريد المصروفات مع الرغبة في الحصول منها علي عائد استثماري!
بعد كل ذلك يصبح الحديث عن قبول الآخر أمرا ملحا, وعاجلا, ولكنه مربك أيضا من القوة أن يأتي ذلك بتوجيه رئاسي بأن تكون مادة احترام الآخر مادة دراسية, فالنجاة تبدأ من الغرس في الصغر, لكن الأمر يحتاج إلي صدق وإخلاص في تنفيذ ذلك, ولتوسيع دائرة الحوار ليصبح حوارا مجتمعيا واسعا, يؤمن أطرافه بضرورة قبول واحترام وتقبل الآخر, لأن في ذلك, وحسب, النجاة من مشاحنات اجتماعية وأمراض سندفع جميعا ثمنها, وسنورثها للأجيال القادمة.
هاجم كثيرون استخدام لفظ التنمر باعتباره دخيلا علي ثقافتنا! ولم لا؟ لما لا نتقبل ما يأتينا من ثقافات أخري؟ أليس هكذا تتطور المجتمعات؟! وأليست الثقافات الأخري قد أصبحت بفعل التكنولوجيا جزءا من تفاصيل حياتنا؟! أليس التنمر نفسه دخيلا علي مجتمعنا الذي كان يتصف بالطيبة وعدم العدوانية؟. قبول الآخر لم يعد ترفا بعدما أصبح رفض الآخر مرضا متجذرا في مجتمعنا أبسط أعراضه هو التنمر وما خفي كان أبشع.
بقلم فاطمة خير
كاتبة
[email protected]