أنطون سيدهم .. والسياسة الخارجية
تاريخ النشر
1991/12/1
كان لاختيار الدكتور بطرس غالي سكرتيرا عاما للأمم المتحدة رنة فرح وسرور غامرة بين الشعب المصري, الذي افتخر وتهلل بانتخاب أحد أبنائه لهذا المنصب العالمي الرفيع, ليس في مصر فقط بل في العالم العربي بأجمعه وكل القارة الأفريقية, ودليلا للعالم بأن مصر التي هي مهد الحضارة مازالت تخرج له رجالا علماء أجلاء قادرين علي القيام بهذه المهمة الخطيرة التي ينتظر منها أعمالا كبيرة لتوطيد السلام والمحبة بين الدول في جميع أرجاء الدنيا, وخصوصا في هذه الظروف الدقيقة, التي تغيرت فيها المقادير والأفكار, لافظة فكرة العداء والحروب ليحل محلها السلام والوئام والتعاون لخير ورفعة العالم بجميع أرجائه.
لقد تباري الكتاب والصحفيون, هذا الأسبوع, في الكتابة عن بطرس غالي فرحين مهللين لهذا الحدث الكبير في تاريخ مصر, مبينين وشارحين العوامل المختلفة التي أدت إلي فوزه بالجلوس في أعلي مركز دولي في العالم بأجمعه فذكرت أسبابا متعددة لهذا النصر الذي أصاب أهله, بعضها موفق وبعضها خيالي, ويهمنا أن نوضح من وجهة نظرنا ما نعتقده بأنه أهم العوامل التي أدت إلي هذا الاختيار.
إن مساندة الرئيس حسني مبارك للدكتور بطرس غالي واتصالاته المتواصلة طوال الأشهر الماضية, والتي تركزت بقوة في الأيام السابقة علي عملية الانتخاب بالدول الأجنبية المختلفة, وما لسيادة الرئيس من مركز وتقدير كبير عند هذه الدول, جعل من هذه الاتصالات عاملا قويا في اختيار الدكتور بطرس غالي لهذا المنصب, وأن ما قابله به سيادة الرئيس عند تهنئته مباركا وما ارتسم علي وجهه من مشاعر الفرح لنجاح مساعيه وتعضيده لأبلغ دليل علي محبته له, وتقديره لكفاءته وخدماته الكثيرة لمصر طوال السنين الماضية.. نعم لقد فرح سيادة الرئيس بأن يفوز أحد أبناء شعبه بهذه الثقة.
كما أن علاقاته القوية بالدول الأفريقية التي بني لمصر فيها مركزا ممتازا ورائدا بسفرياته المستمرة إليها والانتقال بينها ومساعدته الفعالة في حل مشاكلها, وجهده القوي في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية, فجعل من مصر البلد الرائد والزعيم الأمثل لدول هذه القارة المتعبة, وتولي تنظيم اجتماعاتها ومؤتمراتها, كل ذلك كان سندا قويا لاختياره لهذا المنصب الكبير. وكذا علاقاته الممتازة بدول العالم الثالث, وعلي الأخص دول جنوب أمريكا ومساندته لها في المحافل الدولية أدي إلي وقوفها بحماس لتأييده.
أما العامل الأهم في حصوله علي المساندة العالمية فهو ما يتصف به من تربية ممتازة في بيت عريق من بيوت مصر الخالدة, وثقافته العالية في القانون الدولي والسياسة الدولية, وإتقانه اتقانا تاما للغات الأجنبية وخصوصا اللغتين الإنجليزية والفرنسية, اللتين يتكلمهما ويخطب بهما كأحد أبنائهما واتزانه ودبلوماسيته العميقة, وشخصيته القوية, كل هذه العوامل كانت الأساس الأكبر والفعال لاختياره من الدول سواء المتقدمة أو النامية.. فكلها كانت علي يقين من أنه الشخص الأمثل الذي يستطيع تحمل مسئولية السنوات الخمس القادمة التي يتحول العالم فيها من سياسة محاربة الأيديولوجيات والتكتلات العالمية والحروب الباردة والحارة إلي السلام الشامل والتعاون الاقتصادي والثقافي, وكل ما فيه خير البشرية.. وفقه الله في مهمته الخطيرة.