لماذا ولد المسيح (حسب الجسد) بدون زرع بشر؟..
أولا: لابد أن نوضح حقيقة ثابتة وهي: إن معجزة التجسد هي حدث إلهي تم في ملء الزمان, ولا يمكن للعقل البشري المحدود أن يدرك أعماقه, ولكن سوف نوضح بعض النقاط للرد علي هذا التساؤل..
1- يقول القديس إيرينيؤس: إن المسيح, آدم الثاني, أعاد بالطريقة التي تجسد فيها آدم الأول.. وكما أن آدم الأول حوي في نفسه جميع ذريته, فإن المسيح أعاد في نفسه جميع الشعوب حتي آدم الأول (آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولي لـ أسد رستم).
2- يقول القديس كيرلس الكبير: (لقد خلقت الإنسانية من جديد في المسيح, وتكونت من خلال اتحاد اللاهوت بالناسوت في الكلمة المتجسد) (المسيح واحد لـ القديس كيرلس الكبير).
إذ بتجسد المسيح أعاد الله خلقة البشرية من جديد, وبنفس الطريقة التي خلق بها آدم الأول من أم (الأرض) بدون أب جسدي جهد عظيم خلق لكل إنسان ونير ثقيل وضع علي بني آدم من يوم خروجهم من بطون أمهاتهم إلي يوم دفنهم في الأرض أم الجميع (سيراخ40:1). هكذا ولد المسيح (آدم الثاني) جسديا من أم (العذراء) بدون أب جسدي أنت هي الحقل الذي لم يزرع وأخرجت ثمرة حياة (ثيئوطوكية الثلاثاء).
3- يقول القديس كيرلس الكبير: لكن لأنه (المسيح) يمثل بداية الخليقة التي أعيد تشكيلها بالتقديس الإلهي, فلقد ولد قبل الآخرين من الروح متخطيا اتحاد الزيجة بين الرجل والمرأة, لا يعني ذلك أنه يحتقر أو يدين الطبيعة البشرية, لأن الزواج مستحق كل كرامة.. ولكنه أراد أن نكون مولودين من الروح وليس من الرجل (حوار حول تأنس الابن الوحيد الجنس للقديس كيرلس, ترجمة د.جورج عوض ص102).
فبميلاد السيد المسيح جسديا من الروح القدس والعذراء مريم بدون زرع بشر, أعطي الإنسان أن يخلق ويولد من جديد من الله في المعمودية (الأم) بدون زرع بشر الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله (يو1:3). وأصبحنا في المسيح خليقة جديدة: إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو5:17).
4- ويقول القديس ساويرس الأنطاكي: إذا لم يختر المسيح أن يولد من عذراء هربا من الزواج ومن الولادة من رجل وامرأة, بل لأنه كان يريد أن يجعلنا من خلال التبني الروحي أبناء لله, لا أبناء جسديين.
أيضا لا ننسي أن وعد الله لآدم بالخلاص سوف يأتي من نسل المرأة, إذ نسل المرأة يسحق رأس الحية وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها, هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه (تك3:15).
5- ويمكن أيضا أن نقول إن معجزة التجسد تمت بتدبير ومشيئة وإرادة إلهية مطلقة, ونحن بذلك لا ننكر دور السيدة العذراء, فهي أم الله ومعمل اتحاد الطبائع (اللاهوت بالناسوت), وقد أخذ أقنوم الكلمة منها طبيعة بشرية كاملة بغير خطية كل عجينة البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب (ثيئوطوكية الخميس). رغم أن اختيارها جاء من قبل الآب وبتقديس الروح القدس واتضاع الابن لأن الآب اختارك والروح ظللك والابن تنازل وتجسد منك (قطعة من صلاة باكر), وأيضا لأنه بإرادته ومسرة أبيه والروح القدس أتي وخلصنا (ثيئوطوكية الاثنين).
وأخيرا:
يجب أن نوضح أن تجسد الابن الوحيد حدث باتحاد الطبيعة الإلهية لأقنوم شخص الكلمة بالطبيعة البشرية (التي تكونت وتقدست بالروح القدس) التي أخذها من السيدة العذراء, بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير, ووحد الطبيعتان في شخصه, وأصبح طبيعة واحدة من طبيعتين من بعد الاتحاد لشخص الله الكلمة واحد هو عمانوئيل وغير مفترق وغير منقسم إلي طبيعتين من بعد الاتحاد (القسمة السريانية). إذا التجسد تم باتحاد طبيعتين وليس اتحاد شخصين يسوع المسيح الكلمة الذي تجسد بغير تغيير وصار إنسانا كاملا, لم يفض ولم يختلط ولم يفترق بشيء من الأنواع من بعد الاتحاد, بل طبيعة واحدة وأقنوم واحد وشخص واحد لله الكلمة (ثيئوطوكية الاثنين).
يقول القديس كيرلس الكبير: لأن الجسد لم يكن جسد آخر غيره (أقنوم الكلمة), بل بالحري جسده متحدا به بطريقة تفوق الوصف والتعبير, ولذلك يقول يوحنا الحكيم: الكلمة صار جسدا (يو1:14), وهو صار جسدا لا لأنه تغير إلي طبيعة الجسد بانتقال أو تحول, ولا لأنه تعرض لاختلاط أو امتزاج في الجوهر.. بل بالحري أخذ جسدا تحييه نفس عاقلة من جسد عذراوي غير دنس, وجعله جسده الخاص (رسائل القديس كيرلس ج4 ف22 ص33).. وقال أيضا: بل هو نفسه صار جسدا, كما هو مكتوب: الكلمة صار جسدا, أي صار إنسانا, فهو لذلك غير قابل للانقسام من بعد الاتحاد, وهو لا ينفصل إلي شخصين (شرح إنجيل يوحنا- المجلد الأول- الأصحاح السادس ص446).
وهناك أقوال كثيرة جدا لآباء الكنيسة عن اتحاد الطبيعتين في شخص الله الكلمة, ولابد أن نوضح أيضا أنه لا يوجد فارق زمني بين عمل الروح القدس في تكوين وتقديس الطبيعة البشرية التي اتحد بها أقنوم الكلمة من العذراء هيأت لي جسدا وبين اتحاد أقنوم الكلمة بهذه الطبيعة, لأن السيد المسيح هو إله متجسد وليس إنسانا متألها..
لذلك نحن نعيد عيد تجديد البشرية في الله الكلمة المتجسد الذي ولد ميلادا عذراويا من القديسة العذراء والدة الإله القديسة مريم ليعطي السلطان لكل من يؤمن به أن يولد ميلادا روحانيا من الله وينال التبني للآب بالروح القدس.
كل عام والعالم في سلام ومصرنا الحبيبة في نمو وازدهار ويشع سلامها وطمأنينتها علي العالم أجمع.