بعد اختيار القمص مينا البراموسي المتوحد للكرسي البطريركي ورسامته بابا الإسكندرية ورئيس الكنيسة المرقسية في 10 مايو 1959 باسم البابا كيرلس السادس, سارع إلي اختيار معاونيه وكان من بينهم الراهب القمص أنطونيوس السرياني (نظير جيد سابقا) زرته في المقر البابوي بالكنيسة المرقسية بالأزبكية لتهنئته والتعبير عن اغتباطي بأنه أصبح مشاركا في مسار الإصلاح الكنسي. ولكني فوجئت به وهو يخبرني بأنني إذا زرته مرة ثانية ولم أجده فمعني ذلك أن الفساد مستقر ولا أحد يقوي عليه, ولكنه لم يفصح عن نوعية هذا الفساد إنما اكتفي بالتلميح دون التصريح, وأنا بدوري لم أطلب منه البوح بما يعانيه, وبالفعل بعد فترة وجيزة غادر المقر البابوي إلي قلايته بدير السريان الذي كان يقيم فيه, وبعد ذلك سكن في مغارة علي بعد 3.5 كيلومترات ثم انتقل إلي مغارة أخري تبعد عن الدير بعشرة كيلومترات وكان في حينها يحيا في وحدة مطلقة خالية من أي إنسان, ولكن كان حريصا علي العودة إلي قلايته مساء كل سبت.
وفي 29 سبتمبر من عام 1962 طلب البابا من أسقف دير السريان أن يدعو الراهب أنطونيوس السرياني للحضور إلي القاهرة وأجاب الأسقف طلب البابا ولبي الراهب الدعوة, وعندما توجه إلي مصافحته فإذا به يمسك رأسه بقوة قائلا: رسمتكم يا شنودة أسقفا علي الكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية, ولم يكن في إمكانه الإفلات, وبعد ذلك توجه البابا إلي رئيس الدير قائلا: اذهب وجهز له الثياب. الرسامة هي وضع اليد وقد تمت.
وهنا ثمة أسئلة يلزم أن تثار: لماذا رسمه بالقوة؟ هل كان البابا علي ثقة بأن الراهب أنطونيوس سيرفض إذا استشاره فيما يريد له أن يكون؟ ومع ذلك فثمة سؤال ثان: لماذا يرفض وهو الذي كان من رأيه ابتداع رسامة أساقفة عموميين ومن بينهم أسقف للتعليم الديني وها هو اللقب جاءه بسهولة؟ هل كان يفكر في أنه من الأفضل للكنيسة أن يكون هو البطريرك القادم وخشي أن الأسقفية قد تمنعه من قبول الترشح لمنصب البطريرك استنادا إلي الشرط الذي دعا إليه وهو أن تكون الرهبنة وليس الأسقفية هي أساس الترشيح لمنصب البابا؟
وفي سياق هذه الأسئلة ورد إلي ذهني حوار مقتضب كان قد جري بين الراهب متي المسكين والراهب أنطونيوس السرياني إذ سأل كل منهما الآخر: هل تريد أن تكون بطريركا؟ وجاء الجواب لكل منهما بالنفي. وقد أعلمني كل منهما بهذا الحوار المقتضب. وفي سياق هذه الأسئلة أيضا أستعين بما ورد في كتاب بربارة واترسون وعنوانه أقباط مصر إذ جاء فيه أن الحركة الرهبانية قد أمدت الكنيسة بـ117 من الباباوات.
والجدير بالتنويه هنا أن الراهب مكاري السرياني الذي كان من قيادات مدارس أحد الجيزة قد كان برفقة رئيس دير السريان الذي كان مصطحبا معه الراهب أنطونيوس السرياني وقد تمت رسامته أسقفا للخدمات العامة والاجتماعية باسم الأنبا صموئيل.