عندما تقترب السنة الميلادية من نهايتها وتبدأ الاحتفالات برأس السنة وعيد الميلاد يخطفني الحنين إلى ذكريات الطفولة والشباب وتجمعات العائلة والأصدقاء وبقية طقوس الاحتفال الثابتة سواء التجمع ليلة السادس من يناير في احد بيوت العائلة والذهاب ليلا للكنيسة أو زيارة الأهل للتهنئة بالعيد وقبض العيدية في صباح يوم العيد، وكذا استقبال اصدقائي والجيران وأصدقاء والدي ووالدتي في المساء.
تغير الطقس إلى حد ما خلال فترة الجامعة في القاهرة؛ فالاحتفال بالعيد يبدأ فور العودة للفيوم مساء الخامس من يناير أو صباح يوم “الوقفة” والأتصال بالأصدقاء للتجمع فورا بعد أن افترقنا في المرحلة الجامعية؛ فمنا من دخل الجامعة في الفيوم أو بني سويف والباقي انتشر في جامعات مصر.
تبدو ليلة عيد الميلاد مساء 6 يناير 1983 الأكثر قربا لقلبي، يومها وصلت الفيوم عائدا من القاهرة في الصباح اجريت اتصالات متتالية بالأصدقاء اتفقنا على التجمع في منزلي لمشاهدة مباراة مصر والجزائر في تصفيات دورة لوس انجيلوس 1984 حضر الجميع في الموعد المحدد مع بداية المباراة خطفنا اللعب وركزنا مع احداثها مع صوت الراحل أّحمد عفت.
خرجت أمي رحمها الله من المطبخ حاملة “صنيتين” من الأكل الأولى مليئة بأكل العيد من لحوم ودجاج وخلافه قدمتها لأحمد وبقية الشلة من المسلمين والثانية عليها أطباق فول وطعمية للمسحيين، اجسادنا تتحرك منتفضة مع صرخة “عفت” الشهيرة: “ياسلام” نادما على فرصة ضائعة من علاء نبيل لاعب منتخب مصر السابق، أوصت أمي “أحمد” بأن لا يسمح لأي منا بالاقتراب من الطعام “الفطاري” لاستمرار الصيام حتى بعد منتصف الليل، ودخلت للمطبخ لاستكمال أكل العيد برفقة شقيقتاي، صرخنا جميعا احتفالا برأسية الراحل ابرهيم يوسف محرزا هدف التعادل.
نظر عماد لأحمد متسأئلا باستعطاف شديد : اللحمة طعهما حلو يا أحمد؟ ابتسم أّحمد بخباثة وهو يمضغ قطعة شهية قائلا : قوي، قفز ” عماد” مقتربا ” منه طالبا منه قطعة من اللحم، ارتفع صوت “عفت” مشيدا بإكرامي حارس مرمى مصر على انقاذة هدف محقق للفريق الجزائري، التفت أحمد لوالدي الراحل الجالس في آخر الصالة يترقب مايحدث بابتسامة وقال لأحمد : ادي له يابني ربك غفور رحيم.
انتقلت الهجمة لمنتصف الملعب ” عفت” يعلق قائلا الكرة مع رضوان – محمد رضوان لاعب المقاولون العرب المنتخب المصري السابق – ماشي رضوان خرجت أمي من المطبخ مرة أخرى ممسكة في يدها اليسرى بصلة كبيرة نصفها طار تحت تهديد السلاح وفي اليد اليمنى سكنية ضخمة ملوحة بها ناحية عماد قائلة بصوت صارم: في ايه ؟ رد عماد : أبدا مافيش حاجة ياطنط.. والتفت نايحة التليفزيون “ألعب بقى يارضوان هاتفضل تلف حوالين نفسك كدة”!, ردت أمي “رضوان بيلعب المهم ماتلعبش انت ارجع اقعد مكانك وكل من طبقك.
قادتني النيستولوجيا لتذكر احتفالي ليلة رأس السنة يوم 31 ديسمبر 1985، مع شلة المنيل في القاهرة وحددنا مكان الاحتفال في المنيل حيث اقمت في فترة الدراسة الجامعية مع وائل ووليد راشد وبرفقة أصدقائنا المقيمون حول في نطاق منقطة المنيل خالد خيري ومحمد عبد القادر وهشام فاروق ومحمد عبد الحليم ( ليمو) ومحمد عبد اللطيف ( تيفا) ومحمود صلاح والمرحوم اشرف زمراوي وسيد كمال ومصطفى فؤاد يومها “خلصنا” على نحو ست “كراتين” بيض مخزون الأكل لعدة اسابيع حسب ميزانية الغذاء التي أشرف عليها وائل راشد بحكم خبرته – المعدمة أصلا- في الحسابات دون أن نأكل بيضة واحدة لأننا بكل بساطة ضربنا بعضنا البعض بها، وقام ليمو بإخفاء “بيضة” في جيبه ليضربني بها في تمام منتصف الليل لأستقبل بها عام 1986، صرخ بصوته الجهوري : كل سنة وانت طيب يا ماجد يا”سمييي” دون أّن ينطق حرف “الراء” الذي فقده في ظروف غامضة منذ أن كان طفلا، ووقتها خانه نظره الضعيف وأصاب عيني اليسرى بضربة قوية جعلتني أرى كل شىء أًصفر نحو يومين، وشكرنا جميعًا الله لأنها لم تكن “بصفارين”.
تظل الذكريات تخفطني ناحية الماضي تجعلني أحنُ إلى الأصدقاء القدامي رحل عن دنيانا من رحل وهاجر من هاجر ولكني مازلت أحن لهم ولأيام عشرتنا الممتعة، رحلت أمي وانتقل أبي لجوار ربه، ومازلت فترة الأعياد اشم فيها رائحة أمي رحمها الله، اسمع صوتها اثناء اعداد كل شىء للعيد. نعم.. أفتقد تلك الأيام وأتمنى عودتها، ولو للحظات، فلقد كانت رحمها الله أحسن أم في العالم تعد كحك العيد …… بالفعل.. أحنُ إلى “كحك أمي “.